+ A
A -
هل عاد الإسلام غريبا، وباتت اقلام عربية تنهش بضراوة في الجسد الإسلامي، هل اعتمد هؤلاء على انهم باتوا يملكون حصانة تحميهم من المحاسبة والمساءلة، أم ان التسامح الذي تقدمه العديد من الدول الإسلامية شجع هؤلاء على ان يرموا الإسلام بصفات كان أولى بهم وهم من «اهل الكتاب» في زمن الإسلام الحامي والراعي ان يلوذوا بالصمت ولا يتعرضون للإسلام لا نقدا ولا توجيها، لأنه دين سماوي من رب العباد؛ بل نجدهم يتجرأون على الإسلام إلى حد المطالبة بوضعه في حجرة. وألا يكون له أي دور في الحياة السياسية.
ومن المؤسف ان بعض الكتاب تجدهم باتوا محل اهتمام من يروجون للتبشير بين أوساط المسلمين. وينشرون مقالات في ظاهرها الإصلاح فيما تحتوي ثناياها على ان الإسلام وصل إلى مرحلة التخلف وان طالبوا بإصلاحه من باب ذر الرماد في العيون ولا يعلمون ان القرآن والسنة النبوية فيهما اصلاح للكون كله.
فقد وردني مقالا للكاتب ميشيل كيلو في جريدة العربي الجديد بعنوان «عن الإصلاح الإسلامي... إلى شيخنا الغنوشي» المنشور في الخامس من ديسمبر الماضي الذي بدأ بقوله «هناك حاجة متجدّدة إلى الإصلاح الإسلامي، لكن السؤال المهم يبقى: من أين يبدأ المصلحون، وما عساها تكون موضوعات إصلاحهم؟ و يضيف باعتباري ابناً للحضارة العربية/ الإسلامية، وبهذا المعنى، ابناً للإسلام أيضاً، سأسمح لنفسي بدسّ أنفي في هذا الموضوع الحساس، وسأقدم ملاحظات بشأنه، على النحو الذي سأبلوره في أسئلةٍ أرفدها بتعليقات مختصرة..
ولقد ترددت في الرد على المقال لكن تداوله وأرسله لي عبر الواتس اكثر من مرة ومن اكثر من مصدر يشيد بهذا الفكر فشعرت ان من واجبي الرد على ميشيل ابن سوريا التي نحترم مسيحييها منذ عهد المسيح إلى الغساسنة إلى بشارة الخوري الذي قاوم المستعمر ورفض المساومة.
أقول بداية أهلا بك ميشيل ابنا للحضارة العربية وسنقول أهلا بك ابنا للإسلام الذي هو تسليم للعقل والروح وكل الأعمال لله تعالى.
وجميل ان يكون لك رأي في دين يعتنقه اكثر من 90% من ابناء الحضارة العربية التي تنتمي اليها، لكن ليس في الإسلام كعقيدة التي لا يمكن أن تتغير قواعدها المحفوظة في كتاب الله وسنة نبيه الكريم
بل في نهج بعض من يدينون بالإسلام وليس على المطلق فليس الإسلام هو كما تراه إسلام الجهاديين في افغانستان.. فالإسلام وانت تعلم أنه دين شامل للعالمين إلى يوم البعث.
واسمح لنا ان نقدم لك الملاحظات التالية ردا على ملاحظاتك الخمس التي رميت بها الإسلام بالعقم ويحتاج إلى إصلاح..
بداية لنعرض لسؤالك من أين نبدأ الإصلاح؟ وهو سؤال من السهل الإجابة عنه بالتذكير بمن نقلوا هذه الرسالة من الصحراء إلى شواطئ البحار إلى اعالي الجبال إلى اقاصي الجزر لنرى إسلاما نورانيا في اندونيسيا وماليزيا والعديد من دول شرق آسيا..
وأوروبا وافريقيا.
أما قولك ان المسلم اقل درجة من المؤمن ففي ذلك رأي للمختصين، فالإسلام أعم مطلقا، والإيمان أخص مطلقا، الإسلام اسم لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسم لما بطن من الاعتقاد.
المسلم قد يكون مؤمنا، وقد لا يكون، أما المؤمن فهو مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم ولا عكس.
ولا يوجد إسلام بلا إيمان، لأن الإسلام هو التسليم لأوامر الله ولا يكون إلا بعد التصديق والإقرار.
هذان رأيان وهناك آراء أخرى والتي استند اليها الكاتب «محمد شحرور.. نصرأبو زيد الشيخ محمد الغزالي. علي الطنطاوي».
لقد نجح الكاتب ان يسقط انتماءه السياسي واختلاف أفهام وخلاف الشيوعيين التاريخي بين الماركسية بفهم لينين وتروتسكي وماو وغيرهم من الشيوعيين والقوميين العرب الذين يتحدثون عن الإسلام كحضارة.
ما تضمنه المقال محاولة لخلط الأوراق وحصر الإسلام في اختلاف المطلق ويتحدث عن التخلف كقنبلة دخان ليغطي على مفهوم رد العدوان بالقتال وجاء اقحامه للغنوشي الدارس في الشام من باب سد الذرائع.
والإسلام ليس دينا عربيا فحسب كما حاول من قبل ان ينشر ذلك كل من ميشيل عفلق وساطع الحصري وغيرهما الذين حولوا الإسلام إلى دين عربي فيما هو وبنص قرآني دين للعالمين وللثقلين فوق الأرض وتحت الأرض.. وهو الرأي نفسه في (أوهام الإسلام السياسي للتونسي عبد الوهاب المؤدب)..الإسلام والعلمانية لأوليفيه روا.
ما طرحه الكاتب يأتي في إطار الإعداد لمرحلة قد لا تطول من وضع الإسلام ثانية في حجرة بعيدة عن صناعة الحياة.. وهو ما بدا للأسف في دول إسلامية كبرى.
ميشيل كيلو يردد في مقاله مقولة إن الإسلام حضارة وأنها صنعت بسبب إسهامات خارجية لحضارات فارسية وإغريقية وهندية وغربية وان الإسلام صار خطرا حين تحولت التقاليد إلى أيدلوجيات..وبالتالي في خطوة استباقية ألغى الإسلام كحضارة ثم كفكرة تحررية.
كيلو رفض شمولية الإسلام ويحاول أن يخلط الأوراق ويعيد تعريف المؤمن والمسلم ليثبت في النهاية أن الإيمان قد يكون مسيحيا أو يهوديا أو حتى بوذيا ويستمر الخلط ليدخلوا الصوفية بالحلاج وابن عربي.
يتحدث كيلو عن إصلاح الإسلام وليس فرضا فهم المسلمين للإسلام فهل يريد دينا على هواه
واستخلاف الله تعالى للإنسان من لدن آدم لبقية ركب الأنبياء نوح وابراهيم وموسى وعيسى وهم بنص القرآن كانوا يحملون الإسلام.
ويتحدث عن قطع الرؤوس باسم الإسلام ويتجاهل ما فعله الصليبيون من قطع الحرث والنسل ولا ما فعله اليهود بالعرب المسلمين.
يعيد الكاتب كيلو إنتاج ما سبق للمستعربين وأهل الاستشراق من ترديده وكتابته من مرجليوث وحتى برنارد لويس صاحب كتاب (أزمة الإسلام).
وبعد عندما ينظّر ميشيل لإصلاح الإسلام، وهو دين محفوظ بنصوص قرآنية واحاديث نبوية لا تحتمل التأويل.
فهذا يدل على المهزلة الفكرية التي تعيشها الأمة، فالإسلام الذي يريده ميشيل هو إسلام بمواصفاته هو
وإن ذكر في مقاله آية كريمة أو حديثا شريفا أو زعم أنه من أتباع الثقافة الإسلامية، لكن لماذا لا يتجرأ ميشيل ومن المنتسبين للإسلام من ان يطرح ما هو أبعد من هذا.
كيلو يحمل فكر الغرب الذي يريد إسلاما وفق مقاييس غربية كما في تقارير راند عن الإسلام المدني الديمقراطي، فميشيل كيلو لديه مواصفاته الخاصة للإسلام نابعة بعدم قناعته به بدليل عدم دخوله فيه
فهو يريد إسلاما يوافق ما يعتقده هو، وعندها لن يكون هذا المنتج الجديد هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بل الإسلام المعدل الذي قام بتعديله (إصلاحيون) مسترشدين بآراء مثل هذا (الكيلو)
وبعد.. ان دس الأنف بهذا الطرح هو نفض اليد من دين جاء للعالمين وليس للعرب وليس للحضارة العربية.
ان وجود من يتهم الإسلام بالتخلف هو بعينه السبب في عدم اصلاح المسلمين وليس الإسلام..فالإسلام لا يحتاج إلى اصلاح وقد يكون المسلمون الذين حملوا افكارا كفكر كيلو وما شابه هم الذين يحتاجون إلى اصلاح..بل علينا ان نضعهم هم في حجرة لأنهم أس الداء الذي أصاب المسلمين.. ولنا في تحرير القدس عبرة في الإصلاح.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
28/05/2017
1442