+ A
A -
حصيلة دموية مفجعة وقع عليها الإرهاب، في الحادث الأخير لمانشستر، محولا احتفالا موسيقيا أمام جمهور من المراهقين والشباب، إلى محفل جنائزي من الموت والفزع والرعب المعمم.
التقديرات الأمنية للأجهزة البريطانية، ظلت منذ أسابيع تقر بأن تنظيم داعش يعرّض البلاد لـ «أخطر مستوى» من التهديدات الإرهابية منذ تفجيرات الجيش الجمهوري الأيرلندي بالعاصمة لندن، في سبعينيات القرن العشرين.
في سياق ذلك لا يبدو هاجس عودة المئات من الملتحقين بداعش إلى موطنهم الأصلي ببريطانيا، هو الهاجس الوحيد لدى أصحاب القرار الأمني والسياسي، ذلك أن دراسة ضخمة، هي الأولى من نوعها على الصعيد الأوروبي، تتناول «خريطة الإرهاب في بريطانيا» كانت قد أعلنت عنها شرطة مكافحة الإرهاب، في الشهر الماضي، تقدم انطلاقا من إعادة تركيب مسارات كل المتابعين في قضايا الإرهاب منذ 1998، خلاصات مناقضة للاعتقادات السائدة حول الموضوع، ومن ذلك إن الأحياء الأكثر تصديرا للإرهابيين ليست بالضرورة هي الأحياء التي تعرف حضورا أكثر للمسلمين، كما أن غالبية المتورطين ليسوا ذئابا منفردة بل هم أعضاء نشيطون في خلايا وشبكات منظمة.
الحادث الدموي لمسرح «أرينا»، يعتبر امتداد لعشرية حزينة، تلقت خلالها بريطانيا ضربات موجعة من طرف الإرهاب، منذ صيف 2005. منذ ذلك الوقت، وهي تحاول بناء وإعادة بناء استراتيجية متكاملة لمحاربة الإرهاب، تعتمد على قواعد الوقاية والاستباق وحرب المعلومة، لكن دون أن تصبح في مأمن من الظاهرة الإرهابية.
من جديد، إذن سيفتح النقاش حول الاختيار البريطاني القائم على التعدد الثقافي والانفتاح، وحول الآثار السياسية للضربة الإرهابية الأخيرة، والتي جاءت في سياق انتخابي خاص، لا يبدو معه إلا أنها ستساهم في تعميق التوجه يمينا، وفي المزيد من تغذية النزعات الهوياتية.
في ليلة الثلاثاء الأسود هذه، أعدنا اكتشاف قدرة الإرهاب على محاولة نفي مُمكنات الاجتماع البشري، وعلى التشكيك في دور الدولة والمؤسسات والقانون، وبكلمة واحدة قدرته الجهنمية على اجتثاث الحياة.
لكن في نفس الوقت، تابعنا حرارة التضامن الواسع داخل المدينة، وتمسك مواطنيها بفكرة العيش المشترك، بكل اختلافاتهم الدينية والعرقية، وقدرتهم على الصمود في وجه الهمجية.
مرة أخرى، إذن، يتضح أن الإرهاب يمثل بالمعنى السلبي روح هذا العصر، إذ يبقى في تاريخنا المُعاصر المتغير الاستراتيجي الأكثر تأثيراً في مسار الحياة السياسية الدولية.
بالنسبة إلى الإرهاب اليوم، ليَس هناك من مكان بعيد أو آمن. كل الإنسانية عبارة عن هدف مفترض لضرباته العشوائية، لذلك هو لا يحتاج إلى أن نبحث له عن مُبررات، لأنه أخلاقيا فعل مدان ولا إنساني في المُطلق.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
26/05/2017
2934