+ A
A -
نجح دونالد ترامب في تحدي إيران وفي إيصال رسالة محملة بالتهديد والعقوبات، وهذا أمر جيد. لكنه فيما يتعلق بإسرائيل، تخلى عن صراحته ووعوده، وتجاهل في كلامه مع نتانياهو كل ما يشكل إخلالاً بالمنطق الاحلالي العنصري الذي فرضته الحكومة اليمينية على فلسطين.
أشار ترامب في عدة مناسبات إلى حقوق الفلسطينيين وضرورة حصولهم على الاستقلال، لكنه ظل بعيداً عن تحويل الأقوال إلى أفعال وغادر فلسطين وهو يتحدث عن لزومية اغتنام «الفرصة النادرة» لتحقيق السلام.
لكنه كان واضحاً أن ترامب ليس مستعداً للدخول في منازلة سياسية مع نتانياهو، مكتفياً بأخذ موافقته وموافقة «مرآته» محمود عباس على عبور ماراثون آخر من التفاوض الوهمي.
قدم لنا ترامب الانطباع بأنه ملتزم بتحقيق السلام في فلسطين خلال عهده، دون أن يقدم الآلية اللازمة للتنفيذ. فهل يعني ذلك أن الرئيس المعتز بنفسه إلى حد الانبهار مستعد لقبول الأمر الواقع كما تريده حكومة إسرائيل، ولا شيء أكثر من ذلك؟
ورغم اعتقادنا بأن سياسة «الأبارتيد» الجائر والخارج عن المعايير الأخلاقية والإنسانية سيسقط في النهاية، فإن الوضع الراهن في فلسطين مرشح للمزيد من التدهور، وكذلك للمزيد من المقاومة المتنوعة التي أتقنها الشعب الفلسطيني، فأنهك المحتلين وأتعبهم إلى حد الإحساس بالعجز، والخوف من المستقبل.
لا أحد يتخلى عن بيته ولو قضى في سبيل ذلك، لكن القيادة في إسرائيل رأت وما زالت، أن تكسير رؤوس الفلسطينيين هو الطريقة الوحيدة لفرض الإرادة الصهيونية على كامل فلسطين. وتجاهل قادة العدو المتباهي بقوته والمدجج بالمال والسلاح، حقيقة أن تكسير رؤوس هؤلاء الناس غير ممكن، بشهادة مائة عام من النضال والكفاح المسلح شمل ثورات قبل قيام إسرائيل، كثورة البراق عام «1929» التي أسفرت عن مئات القتلى والجرحى وثورة «1936» التي امتدت شهوراً وتدفق منها الدم غزيراً غطى مختلف أنحاء البلاد.
الانتفاضات وثورات السكاكين والحجارة والرصاص لم تمنع الصهاينة من انتهاج شرس لسياسة القمع بكل أنواعه من اعتقالات وهدم منازل واغتيالات وعقوبات جماعية، هذا النهج شجع الشعب الإسرائيلي على السير وراء حكومته، وأسكت معظم العالم الرسمي، وإنْ كان قد أغضب الشعوب الأوروبية أكثر مما أغضب العرب.
والمؤكد، كما يوقن الإسرائيليون المتنورون أيضاً، أن إدامة الاحتلال وانهيار الديمقراطية واغتيال حل الدولتين تضر كثيراً بالمصالح الإسرائيلية، كما أن السيطرة على ملايين الفلسطينيين حقبة طويلة غير أخلاقي في نظر العالم الذي ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على كل هذا الخلل القائم في فلسطين، مثلما انقض من قبل على جنوب إفريقيا.
هناك امكانية كبيرة لاجراء ترتيبات سياسية وأخلاقية تشمل ملايين الفلسطينيين وكذلك ملايين الإسرائيليين الذين سباهم نتانياهو والذين يجب أن يهبوا ويرتبوا العلاقة بينهم ويهدموا حائط الكراهية الذي بناه
الليكود، وتستند عليه سياسته العنصرية، قصيرة العمر.
وأصبح واضحاً، في الواقع، بعد مراقبة مسلك بنيامين نتانياهو أنه لا يريد أبداً حلاً سياسياً. لماذا؟ لأن أي حل مقبول يعني نهاية بقائه وبقاء عصاباته، وما قد يترتب على ذلك من ملاحقات دولية.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
25/05/2017
1050