+ A
A -
بعد أيام ستمتلئ وسائل الإعلام والتواصل التقليدية والحديثة بالأسئلة التي تتكرر في كل عام وخصوصاً في الأيام الأولى من الشهر الكريم، وسيعيد المعنيون الإجابات نفسها وقد يصل بعضهم إلى حد الاجتهاد وإصدار الفتاوى؛ هذا يجيز غسل الأسنان بالفرشاة والمعجون في نهار رمضان وذاك لا يجيزه أو يتحفظ، هذا يدعو إلى الإمساك في ساعة محددة وذاك يربطه بأذان الفجر، هذا يجيز مغازلة الزوجة أثناء الصيام وتقبيلها وذاك يشكك في صيام المرأة التي قد تجد نفسها مضطرة لاختبار كمية الملح في الطعام الذي تعده للفطور.
والمثير أن أغلب الأسئلة هي عن الأكل والشرب والجنس وكأن الصوم محدد بالامتناع عن هذه الأمور فقط.
طبعاً يمكن تفسير كثرة الأسئلة عن جرح الصيام تفسيراً موجباً بالقول إنه لولا حرص السائلين على أن يصوموا كما ينبغي لهم أن يصوموا لما انشغلوا بها، ولكن يمكن بالتأكيد تفسيره تفسيراً سالباً والقول إن رمضان لم يأت فجأة وأنه يفترض أن يكون المسلم في مستوى ثقافي لا يضطر معه إلا إلى السؤال عن أمور جديدة عليه أو يختلف فيها العلماء كونها مسائل عصرية. في كل الأحوال ينبغي من الصائمين جميعا الحرص على عدم نشر الانطباع بأن فهمهم للصوم متعلق بالأكل والشرب والجنس، فللصوم فلسفة ينبغي من علماء الدين بيانها عبر العديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية وعبر توظيف وسائل التواصل الحديثة قبل حلول الشهر الكريم بأسبوعين على الأقل، فشهر رمضان يأتي في كل عام بعد شهر شعبان مباشرة ولا يأتي فجأة، كما أن أغلب السائلين ينشغلون في رمضان بالمسلسلات الرمضانية والمسابقات، وهذه أيضا من الإشكاليات التي ينبغي أن تجد حظها من الدرس والبحث، فمن يسأل لأنه يحرص على عدم جرح صيامه الأولى أن يقضي ليل رمضان في العبادة وليس في متابعة هذه البرامج التي تستوعبها شهور السنة وتندرج في كل الأحوال في باب الترفيه، دون أن يعني هذا تحويل رمضان إلى شهر صعب المعشر، فهو وإن كان يفتح بابا من أبواب الجنة لصائميه إلا أنه لا يغلق أبواب الحياة في وجوههم، وهذا يقود إلى أهمية الاعتدال في ممارسة الحياة في هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن ويكسب قارئوه ومحيوه فيه الأجر الكبير.
بقيت الإشارة إلى مسألتين فائقتي الأهمية ربما تتميز بهما شعوب ودول مجلس التعاون عن كثير من شعوب ودول العالم في شهر رمضان؛ الأولى الإقدام بجرأة على عمل الخيرات، حيث يحرص الناس بمختلف مستوياتهم على إخراج الزكاة وتوزيع الصدقات والتواصل الاجتماعي، وهذه إيجابية، والثانية الإسراف في الأطعمة الذي لا مبرر له ويؤكد فكرة الفهم الخاطئ لشهر رمضان وربطه بالطعام والشراب اللذين تكثر الأسئلة عنهما وعن ثالثهما في الأيام الأولى منه على وجه الخصوص.
رمضان شهر الخير والالتصاق بالدين وحب الناس، هو شهر الصيام وليس الطعام. جعلنا الله وإياكم من العارفين بحق هذا الشهر والمحتفلين باستقباله وبتوديعه.
بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
23/05/2017
4159