+ A
A -
تمثل زيارة دونالد ترامب التاريخية للسعودية رسالة دعم اميركية غير مسبوق للمملكة، وتدشينا لعهد جديد من تحالف سياسي وعسكري واقتصادي بين واشنطن والرياض من شأنه ان يغير المعادلات المجحفة المعمول بها في المنطقة.
وإذا أردنا ان نتكلم دون مواربة، علينا الاعتراف بأن هذه الزيارة هي بمثابة اعتذار اميركي رسمي عن خطايا الرئيس السابق باراك اوباما الذي تسببت سياساته المتخاذلة والمترددة، بل والمتآمرة ايضا، في جعل ايران اكثر عدوانية وجرأة، كما انها برهان عملي على ان ترامب جاء لمحو تلك الخطايا، وإعادة التوازن والاستقرار الى المنطقة التي عاثت فيها طهران توسعا وتدخلا سياسيا وعسكريا.
وقد استثمر الدبلوماسي الذكي وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بقاء روحاني «المعتدل» رئيسا، في الاعلان عن احترام بلاده لسلامة الاراضي والسيادة المستقلة لجميع دول المنطقة، وعن ضرورة عدم تدخل احد في شؤون احد. هذا الاعلان المقتطف من مقال تصالحي طويل لظريف، موجه الى ترامب والملك سلمان، غير ان التعهدات الواردة فيه تحتاج الى اثبات عملي.
ما قاله ظريف يتعارض تماما مع ضربة الصاروخ البالستي الذي وجهه الحوثيون الى الرياض قبيل مجيء ترامب، وتمكن السعوديون من اعتراضه وتدميره، ويثبت ان القرار ليس بيد وزير الخارجية ولا حتى بيد روحاني، وانما بيد واحدة موغلة في التطرف، ألا وهي يد «المرشد» و«الولي الفقيه» علي خامنئي، الذي يملك الفيتو على كل صغيرة وكبيرة في البلاد، والمعصوم ايضا عن الخطأ.
وإذا كان ظريف يأمل في ان يؤثر مقاله على ترامب بصورة ايجابية، فإن توقيت الضربة الصاروخية هو الذي سيعلق في ذهن الرئيس الاميركي، كما يكشف حماس طهران للضربة والاعلان عنها في قناة العالم قبل ان يصدر الحوثيون بيانا حول هذا الصاروخ الموجه الى هدف عشوائي، ان قرار اطلاقه ايراني بامتياز.
ويعلم ترامب وكبار مساعديه ان ايران تحولت من مربع الاستئناس الى مربع الاستئساد، بمجرد توقيع الاتفاق النووي الذي بدأ بعده رفع العقوبات وتدفق الاموال على طهران التي استخدمتها في تهريب الاسلحة للانقلابيين في اليمن، والانفاق على تدخلها العسكري والسياسي وتوغلها الجغرافي في سوريا والعراق، وغيرهما، وعلى ميليشياتها الكثيرة وعلى رأسها حزب الله.
والأهم من ذلك كله ان ترامب لم يكن ليستهل زياراته الخارجية بالقدوم الى الرياض، لولا قناعته بأن السعودية تمثل كافة العرب وأنها القائد الطبيعي للأمة بعد الضعف الذي اصاب مصر والانهيار والفوضى اللذين ضربا العراق وسوريا.
كما يلتقي غالبية المحللين على الاعتقاد بأن الادارة الجديدة في واشنطن مقتنعة بضرورة طمأنة السعودية وحلفائها بالوقوف معها ضد اي تهديدات خارجية، او اي محاولات لزعزعة امن واستقرار الخليج والشرق الاوسط، في اشارة مباشرة الى التدخلات الايرانية المتواصلة في شؤون الدول العربية، والتي يصعب إنكارها.
وثمة توافق بين الرياض وواشنطن، كما يبدو، على منح ايران فرصة التراجع عن التوغل والتوسع، كشرط مسبق للتفاوض، وإلا ستتضاعف الكُلَف ويطول أمد المسعى الاحتوائي الذي لا يستبعد الخيار العسكري تماما من الطاولة.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
21/05/2017
1133