+ A
A -
ليس هتلر وحده الذي غسل أدمغة الالمان، حتى اقتنعوا بأنهم العرق الأنقى، وبأن الغجر واليهود والعرب ملوثون بجينات متخلفة.. وستالين ليس وحده الذي بنى أقفاصا حديدية في صدور الروس سنين طويلة، فعصرنا الحالي مليء بأمثال هؤلاء.
نذكر منهم الخميني ومن تبعه من «مرشدين» جعلوا معظم الايرانيين يعتقدون أن المهدي المنتظر يجلس على سجاجيد صلاتهم وهم نيام، ونذكر منهم نتانياهو الذي استطاع بمساعدة حاخامات وحثالات بشرية ان يغرس في نفوس غالبية الاسرائيليين قناعة مفادها ان الفلسطيني حشرة يستحق الدعس كأي عربي آخر، وبأن القدس الموحدة يهودية حتى النخاع وكذلك بقية الارض الواقعة بين البحر والنهر.
وعندما اختار جدعون ليفي «هوس القدس» عنوانا لمقاله يوم الخميس، فقد احسن الاختيار، ذلك ان الهوس مبدأ اعتمده طغاة في كل العصور لتنفيذ مأرب قذر وهو خلق رأي عام مؤيد للدولة المستبدة ولبرامجها التوسعية كإسرائيل وإيران على سبيل المثال، وخصصوا المال والموارد لاضطهاد النخب المثقفة كلما حاولت توعية الجماهير.
يحدث ذلك كلما أراد حاكم جديد ان ينهض على حساب شيطنة سلفه، كما فعل عشرات الحكام العرب المستبدين الذين كان همهم استخدام الإعلام القومي لتشويه سمعة من سبقوهم، وتقديم انفسهم كمنقذين وهم في الحقيقة لصوص وبائعو اوطان.
توقفت طويلا عند مقال ليفي اليهودي المثقف الذي اخاله يغرد كالكروان وسط سرب من الغربان السود، وذلك عندما تحدث بتهكم رائع عن هوس الحائط الغربي للقدس القديمة (حائط البراق) الذي انهار الكثير من الصهاينة عندما اخبرهم البيت الابيض انه، اي البراق، فلسطيني وليس اسرائيليا، وأنه لا يوجد هناك شيء اسمه حائط مبكى.
لم يكن سهلا هذا الاعتراف.. وممّن؟ من عقر دار «الإيباك» المنظمة الاسرائيلية الضاغطة التي تهيمن منذ عقود على سياسات البيت الابيض والخارجية الاميركية. لم نفاجأ نحن بذلك، ولا من يعرفون الحقيقة ومن بينهم منظمة اليونسكو الدولية التي اعلنت في تقريرها الشهير قبل اسابيع ان القدس جميعها لا صلة لها باسرائيل اطلاقا، وانها باختصار مدينة فلسطينية لمسلميها ومسيحييها منذ البداية.. لكن الذين فوجئوا هم من غُسلت ادمغتهم منذ الطفولة، والذين اخبرهم مدرسوهم بأن البراق اكذوبة الفلسطينيين، وأن الحقيقي هو حائط المبكى الاكثر قدسية لليهود في العالم.
بعد اعلان البيت الابيض صدقية قرار اليونسكو، يسأل الاسرائيليون انفسهم: «ما هو الصحيح إذن في الرواية الاسرائيلية»؟ الآن علمتم ايها المضلّلون لماذا لا تعترف أي دولة في العالم بأن القدس موحدة، ولماذا قد يحمل المستقبل مزيدا من الكوارث: القدس شرقها كغربها كلاهما فلسطيني بالكامل!
المأساة ان اسرائيل غير العارفة بحدودها وغير الواثقة بشرعيتها او بنفسها، وغير المؤمنة بعدالتها، تفقد توازنها عندما يقول احد ان القدس غير يهودية، وهي ايضا، كما قال ليفي تغيب عن الوعي، عندما تخبرهم واشنطن ان «حائط مبكاكم مفبرك، فهو حائط البراق الاسلامي» الذي اسري إليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
20/05/2017
1109