+ A
A -

يحضرنا بيت لبيد بن ربيعة:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
وهو بيت قاله قبل 15 قرنا وظل يتردد على الألسنة كلها في اتصال لا ينقطع، مما هو طبع بشري تجنح النفس فيه إلى وصف واقعها بصفات سلبية حانقة من جهة ومتخوفة من جهة أخرى، وهي صورة تختزل الألم في لحظته وتركزه وكأن الماضي لم يشهد مآسي كونية أو لم يشهد نزاعات فردية، في حين أن الحال البشرية لما تزل هي إياها منذ أن حادثة هابيل وقابيل، بناء على غيرة توحشت في نفس أحدهما على الآخر، وهي حرب صغيرة بين اثنين ظلت تناسل لتكون بين دول ولتستمر بين فرد وفرد أيضا، ولكن الذاكرة البشرية تنزع لنسيان ما مر ومضى وتنشغل بما هو حاضر ماثل، والمقارنة ستكون بين أمر نسيناه وأمر نشهده،وحينها سيكون الماضي أجمل وأحسن تبعا لغياب أحد عناصر المقارنة مقابل ضغط العنصر الحاضر الذي يحتوي اللحظة ويحاصرها وينتج عنه قول مثل قول لبيد عن لحظته مقارنة بما مضى له. والحق أن الماضين من جيل لبيد لا يختليفون عن الذين وصفه بجلد الأجرب، وهذا هو نسل ذاك، مثلما أن كل قاتل هو نسل لقابيل، وكل ضحية هو نسل لهابيل، وتظل الحياة تدور دوراتها، وإن تسترت بحجاب النسيان مقابل الشاشة الكاشفة، كما هي شاشة التلفاز اليوم التي تحضر لك المآسي في صور حية كأنك وسطها وفيها، وحينها سيظهر لك الواقع المعاش اليوم وكأنه أسوأ واقع مر على البشرية،وما هو إلا صورة حاضرة، بحضور يصرفك عن الصور الماضية المختفية وستجرك نفسك تبعا لهذا إلى التشكي كما تشكى لبيد، وتصف وضعك بأنه مثل جلد الأجرب، وليس من متغير إلا أن بعض القصة دخل في حجاب المستور، وبعضا آخر حضر وتماثل أمامك فحول ألمك إلى حضور واقعي يعلن عن نفسه بالتبرم من حال إنسانية مريرة، ومهما بلغت مرارتها فهي تماثل مرارات عاشها بشر سبقوك وقالوا عنها ما تقوله عن حالك في يومك وفي لغتك.
بقلم : عبدالله الغذامي
copy short url   نسخ
20/05/2017
2961