+ A
A -
إنَّ فضل علمائنا المسلمين الأوائل على الحضارة الإنسانية العريضة؛ فضلٌ كبيرٌ لا يمكننا عدَّهُ وحصرُه، إذ كانت لتلك الجهود الجادَّة التي قدمها هؤلاء الأكابر؛ دورٌ أساسيٌ في أهم الصناعات والاكتشافات والاختراعات في مختلف المجالات التي تتنعمُ بها البشرية في عصرنا الحالي، فقد وضعوا بصماتهم التاريخية وأثَّروا في عصور نهضة البشرية أجمع، مساهمين في بناء الحضارة الإسلامية الذهبية التي تغنت في فضلها الأمم، وما زال مسلمو اليوم يفخرون بأسلافهم وأجدادهم الذين أسسوا لجملة كبيرة من العلوم التي أخذها عنهم الغرب وطوَّرها إلى يومنا هذا.
إنَّهُ من المُدهش أحيانًا أن يخرُج الصدق من أفواه الكاذبين، وتحديدًا من قبل مؤرخي الحضارة الغربية الذين يتعمدون تصعير فضل الحضارة الإسلامية على التقدم العلمي والحضاري في الغرب، كما يتعمدون تجهيل العالمين وبشتى الطرق أنَّ لتقدم المسلمين العلمي وعقليتهم المنهجية وإبداعهم الإسلامي الخالص في المنهج التجريبي؛ الدور الأساسي في بناء حضارتهم الرغداء عبر القرون والتي يدعون أنها انحدرت إليهم من ميراث الحضارتين الرومانية واليونانية.
يقول المفكر البريطاني؛ روبرت بريفولت في كتابه الشهير: (تكوين الإنسانية): «إنَّ العلم هو أعظم ما قدمته الحضارة العربية على العالم الحديث عامة، حيثُ لا توجد ناحية من نواحي النمو الحضاري إلا ويظهر للإنسان فيها أثر الحضارة والثقافة العربية، وإنَّ أعظم مؤثر هو الدين الإسلامي، الذي كان المحرك للتطبيق العلمي على الحياة، وإن الادعاء بأنَّ أوروبا هي التي اكتشفت المنهج التجريبي؛ ادعاء باطلٌ وخالٍ من الصحة، جملةً وتفصيلًا، فالفكر الإسلامي هو الذي قال: انظر، وفكر، واعمل وجرب، حتى تصل إلى اليقين العلمي».
ويضيف بريفولت: «إنَّ ما يدين به علْمُنا لعلْم العرب ليس في الكشوف المدهشة أو النظريات الثورية فقط، وإنما يدين علْمُنا للثقافة العربية بما هو أكثر من ذلك؛ إنه مدين لها بالفضل في وجوده ذاته؛ فالعالم القديم كان في مرحلة ما قبل العلم، وكانت علوم الفلك والرياضيات عند الإغريق استيرادًا خارجيّا، ولم تتأقلم أبدًا أو تمتزج بالثقافة الإغريقية. وما نسميه حقيقةً باسم العلم كما ظهر في أوروبا، كان نتيجةً لروح جديدة في البحث، ولمناهج جديدة في الفحص والاستقصاء؛ إنها على وجه التحديد مناهج التجربة والملاحظة والقياس، ونتيجة لتطور الرياضيات بشكلٍ لم يعرفه الإغريق على وجه الإطلاق، والعرب والمسلمون هم الذين أدخلوا هذه الروح وتلك المناهج إلى العالم الأوروبي».
بريفولت قد أنصَفَ كثيرًا في هذا الكتاب، وأدحَضَ هذه الفرية الشهيرة؛ التي لا أساس لها من الواقع التاريخي، والتي طالما وجدناها وسنجدها عائمة على السطح، يروج لها متبعي الحضارة الغربية في كل مكان، ورغم ذلك كله سنجد أقلمًا كتبت وستكتب عن الحقيقة مهما واجهتها أعمال التعرية والزوال؛ ولا أجل من حقيقة أنَّ حضارتنا كانت وما ستزال (ولادة) تمنح الكثير للآخرين وتضيء شتَّى الدروب المعتمة، ولا يبقى إلا أن يعود المسلمون لريادة تلك الحضارة الإنسانية من جديد؛ تلك الحضارة التي بناها الإسلام وحافظ عليها الآباء والأجداد، وأهملها الأبناء والأحفاد، فأنكر فضلها على العالمين الغرب ومازال.

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
19/05/2017
13034