+ A
A -
لا ندري على وجه التحديد ما الذي أرادت ايران قوله في بيان رسمي عقبت فيه على المواقف السعودية الأخيرة، لكن صيغة البيان الصادر عن الناطق بلسان وزارة الخارجية بهرام قاسمي، تشي بقدر من الاستهانة الممزوجة بشيء من الرغبة في اعطاء الانطباع بأنها جادة في كسر حدة التوتر بين البلدين.
وعندما يقول البيان ما نصه «إن ردنا على مشاكسة المسؤولين السعوديين وبعض تصريحاتهم غير المناسبة، هو اننا لا نريد التوتر، ومستعدون للحوار»، فإن الاستخدام المعيب لكلمة «مشاكسة» يضفي على السلوك السعودي صفة الطيش وعدم التعقل.
غير أن اللجوء الى هذه العبارة او مرادفاتها مسيء في الواقع لأصحاب القرار في الرياض ويعتبر المملكة رغم صبرها الطويل على مكاره طهران واعتداءاتها واستفزازاتها، دولة «تشاغب» على «الامبراطورية» الايرانية، مع ان العكس هو الصحيح، مع اعتقادنا بأن إنكار ايران تسببها في تصعيد التوتر وإبداءها الاستعداد للحوار، ليسا اكثر من ذر للرماد في العيون وإيهام من يقرأ البيان الملغوم بأن ايران دولة حكيمة.
الحقيقة المرة تصرخ بها سطور البيان الهزيل، إذ لا جديد في ما تلاه قاسمي سوى الصياغة البهلوانية التي لا تعني شيئا ذا قيمة على ارض الواقع، بل يخفي بين احرفه الكثير من القلق والمخاوف تجاه ما فاجأت به السعودية العالم، ليس فقط على صعيد التحالف والتكامل بين الرياض وواشنطن والذي يجسده تفضيل ترامب السعودية حتى على اسرائيل حيث سيزور الرياض قبل وليس بعد زيارة فلسطين المحتلة، ولكن على صعيد تعهد الملك سلمان بإنفاق 300 مليار دولار للتزود بأسلحة اميركية حديثة، منها مائة مليار توقع صفقة بشأنها في الرياض، والباقي على مدى عشر سنوات قادمة.
وفي كل الاحوال فإن هذا الكم غير المسبوق من المال يشكل ضمانة تشكر عليها السعودية، لأنها نجحت على الفور في اجهاض أُمّ المحارق والنكبات التي اراد «محور الشر» ارتكابها في الشرق الاوسط والخليج. كما ان تلك المليارات اكبر من ان تتحمل طهران تبعات مجاراتها، خاصة ان الافق لا ينبئ برفع للعقوبات بل بمضاعفتها، وهو ما انعكس على بيان قاسمي حين خلط كعبدالحليم حافظ بين الضحك واللعب والجد.
لذلك فإن ما عرضه البيان الايراني يفتقر الى الجدية بخصوص التفاهم والحوار، لأن الذي يريد التفاهم والحوار يعطي مؤشرات تؤكد صدق نواياه، كأن يشطب مثلا سيادته المزعومة على جزر الامارات الثلاث، او يصدر الاوامر لحرسه الثوري ولميليشياته المذهبية الكثيرة بالانسحاب من سوريا والعراق، او يتوقف عن تمويل وتحريض الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
وإذا كنا نعتبر الانسحاب الجزئي لحزب الله، بداية لرحلة «الانتحار العسكري» التدريجي التي اقدم عليها مؤخرا، فإن من مؤشرات التشقق الذي ضرب المحور المذهبي الذي اطلقته طهران، تضاؤل فرص نوري المالكي في تشكيل حكومة العراق وارتفاع اصوات مرجعيات دينية وسياسية شيعية، تدعو الى حوار مسؤول مع السُنة وتقليص العلاقات مع طهران واستبدالها بالصداقة والندية بدلا من التوأمة والتبعية.
في كل الاحوال تدرك ايران ما يجري في المنطقة، والأرجح ان تجنح الى التهدئة للتخفيف من تأثير الاجراءات الاحتوائية التي حددتها استراتيجية اللجم والتحجيم، الهادفة لتخليص الشرق الاوسط والخليج من الوجود العسكري والنفوذ السياسي الايرانيين.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
17/05/2017
1023