+ A
A -
لغط دبلوماسي وحشود عسكرية وكثير من التكهنات. إنها ربما المرحلة الأكثر ضبابية والحبلى بالمفاجآت في آن منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس 2011. خلال هذه السنوات الطويلة المليئة بالمآسي، والتي ارتكبت خلالها فظائع وجرائم ضد الإنسانية (قطع رؤوس وسبي نساء من صنع «داعش»، وقتل بغاز السارين واغتصاب «ممنهج» على أيدي النظام و... و...)، حفل المشهد بلاعبين كثر منهم رئيسي وآخر ثانوي.
وشهد تقلبات عديدة آخرها عودة أميركا ترامب إلى الساحة بعد انكفاء أميركا أوباما، ما ينذر بقلب المعادلات التي أرساها «الدب الروسي» بوتين منذ تدخله العسكري الغليظ في نهاية سبتمبر 2015. فهل تنطلق مؤشراتها مع انعقاد القمة العربية الخليجية الأميركية في السعودية بحضور ترامب الأحد المقبل؟
استقبل الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي وزير الخارجية الروسي في أول زيارة لمسؤول روسي رفيع منذ انتخابه. وحامت حول اللقاء، الذي لم يحظ بتغطية الإعلام الأميركي، كثير من الاجتهادات والشبهات، خاصة أنه انعقد على إثر إقالة ترامب لمدير مكتب التحقيق الفيدرالي («اف. بي. اي») جيمس كومي الذي كان يحقق في الاتصالات السرية مع موسكو عشية الانتخابات الرئاسية. وهي سابقة خطيرة نادرا ما تحصل في تاريخ الإدارة الأميركية.
غير أن الرسالة التي حاول ترامب إيصالها عبر اللقاء كانت واضحة وجاءت على لسانه: «القتل المروع في سوريا يجب أن يتوقف والكل يعمل من أجل ذلك». أي أنه أفهم روسيا أن «اللعب الأحادي» انتهى وأن مرحلة ضبط إيران وميليشياتها في سوريا وتطويع النظام قد انطلقت، بدءا من إعلانه عن استعداده لتسليح «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية التي استعادت مدينة الطبقة من «تنظيم داعش» وأحكمت سيطرتها عليها، وهي تتقدم باتجاه الرقة معقل التنظيم ما أثار غضب تركيا. ناهيك عن أن القوات الأميركية التي تتجاوز الألفي جندي بآلياتها أصبحت على الأرض في الشمال. وتزامنت الزيارة مع إعلان روسيا إفساح المجال لقيام مجالس محلية (للمعارضة) في المناطق المحررة التي تدخل ضمن المناطق التي صنفت آمنة. وهذا مؤشر خيب آمال النظام الذي بات أسير الحسابات الروسية.
وفي ما يبدو أنه أول الغيث ترجمة لهذا الضغط الأميركي على موسكو من أجل تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ها هو أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله يعلن عن بدء تفكيك مواقع حزبه العسكرية على الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا معللا ذلك بقوله إنه «أنجز مهمته» التي لم يكلفه بها أحد. كما بدا لافتا أيضا إعلانه عن «أي اتفاق لوقف إطلاق النار يوافق عليه النظام السوري نوافق عليه نحن حكما لأننا نقف خلف القيادة السورية...». فهل إن هذه الخطوة تأتي تنفيذا لتعليمات مزدوجة روسية ثم إيرانية بضرورة التمهيد لانسحاب «حزب الله» اللبناني الكامل من سوريا قبل فوات الأوان، خصوصا أن واشنطن مصممة إذا اقتضى الأمر على خوض معركة إنهاء وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا، وقرار اتخذ بفرض حصار مالي صارم على «حزب الله»، سيطال بحسب ما كتبته «فاينانشيال تايمز» اللندنية أيضا أنصاره وحلفاءه بمن فيهم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون نفسه.
ويقابل هذه الخطوة تطور أهم وذات مدلولات استراتيجية حاسمة في مسار الحرب السورية، وهو ما يتم تحضيره من حشود عسكرية أميركية- بريطانية- أردنية مشتركة على المثلث الحدودي العراقي-الأردني-السوري من أجل قطع أوصال وخطوط تمدد النفوذ الإيراني (وأيضا «داعش» لم لا؟!) من طهران إلى بغداد ثم دمشق وصولا إلى بيروت. ما يعني أن ترامب قد بدأ يتورط عسكريا، وبشكل مباشر وعلى نطاق واسع في أخطر أزمة ألهبت الشرق الأوسط وربما العالم.
ولكن هل باتجاه حل يحفظ وحدة سوريا ويحقق إرادة الشعب السوري أم باتجاه تقاسم نفوذ؟
الجواب مؤجل إلى لقاء القمة الأول ين الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة العشرين في هامبورغ في بداية يوليو.

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
16/05/2017
2504