+ A
A -
ورث السيد مانويل ماكرون رئيس فرنسا الجديد إرثا ثقيلا من سلفه الاشتراكي هولاند خاصة في ما يتعلق بالملفات السياسية الخارجية سواء الأوروبية منها أو الدولية بشكل عام. صحيح أن السياسية الخارجية الفرنسية لا تمثل نقطة ارتكاز أساسية في الحملات الانتخابية الرئاسية ولا تمثل عنصرا حاسما في تحديد اسم للرئيس الجديد عكس القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحاسمة.
تقوم الدبلوماسية الخارجية لفرنسا منذ نشأة الجمهورية الخامسة على مبدأ واحد يتمثل في المحافظة على المصالح الفرنسية الاقتصادية المادية والاستراتيجية سواء في مستعمراتها القديمة أو في مناطق نفوذها التقليدية أو في الأسواق الصاعدة. بناء عليه فإن كل التحركات الخارجية والمناورات الفرنسية تسعى إلى نفس الهدف سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه. ولتحقيق هذا الهدف تعمل الدبلوماسية الفرنسية على مراعاة مبدأين:
يتمثل الأول في تجنب التصادم مع المصالح الخارجية للدول الكبرى وخاصة الحليف الأميركي والجار الروسي. أما المبدأ الثاني فيتمثل في القدرة على المحافظة على صورة فرنسا التي رسخت في المخيال الجمعي الدولي باعتبارها دولة ديمقراطية وفضاء للحرية ومدافعا عن حقوق الإنسان. إن مستوى نجاح الدبلوماسية الفرنسية إنما يتجلى أساسا في القدرة على المزاوجة في آن واحد بين التمدد الناعم اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا والمحافظة على الصورة الخارجية للدولة ومؤسساتها.
لكن من جهة أخرى توجد على طاولة الرئيس الجديد ملفات معقدة قد لا تساعد على تحقيق التوازن المطلوب بين المبدأين السابقين في ظل أزمات اقتصادية داخلية وخارجية قد تتجاوز السلطة التنفيذية الرئاسية نفسها. فتغوّل المارد الاقتصادي الألماني وسيطرته المطلقة على الاتحاد الأوروبي والتي ساهمت بشكل كبير في خروج بريطانيا من هذا الاتحاد تمثل واحدة من أكبر التحديات الإقليمية للرئيس الجديد الذي دشن جولاته الخارجية بزيارة ألمانيا. ومن جهة أخرى لن تقوى فرنسا على مواجهة تمدد الجار الروسي إلا بالقدر الذي تسمح به الولايات المتحدة الأميركية داخل البيت الأوروبي.
أما عربيا فرغم كل التصريحات الإيجابية للرئيس الجديد حول القضايا العربية فإن السياق الفرنسي الحالي لا يسمح بتجاوز الخطوط الكبيرة التي تحكم صراع الامبراطوريات الأساسية وهي الولايات المتحدة وروسيا. فرغم الحضور الفرنسي في المشرق العربي وفي ملفاته العسكرية والأمنية خاصة، سواء في سوريا ولبنان أو في غيرهما فإن الدور الفاعل يبقى دورا ثانويا تعديليا لا دورا مركزيا مُقررا.
تتحرك فرنسا اليوم في مساحة الهامش الدولي الذي تسمح به القوى الكبرى منشغلة أساسا بأزمة اقتصادية داخلية وغليان اجتماعي قد يجعل من الملفات الخارجية ملفات ثانوية إلا ما انعكس منها بشكل مباشر على الوضع الداخلي مثل صفقات الأسلحة والعقود المغرية التي تبرمها مع الدول العربية والتي تسمح لها بتجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
11/05/2017
2657