+ A
A -
عندما يتأمل الإنسان في دورة الهواء لابد أن يشعر بالذهول من الدقة المتناهية التي تفوق قدرة البشر على إدراك سرها، ولابد أن يدرك المعنى في قوله سبحانه وتعالى «إنا كل شيء خلقناه بقدر» ( القمر: الآية 49). فالهواء الذي خلقه الله هو الحياة للإنسان والحيوان والنبات والإنسان لا يبقى حيا إذا لم يستنشق الهواء دقائق معدودة، ولهذا يمكن القول إن الهواء هو أغلى ما في الوجود لأن في وجوده يعيش الإنسان وإذا حرم منه تنتهي حياته ولهذا قضت حكمة الله أن يكون الهواء لكل الكائنات بلا ثمن ولا يقدر أحد على أن يملكه أو يتحكم فيه.
ورحلة الهواء في جسم الإنسان مذهلة، فالإنسان حين يستنشق الهواء يصل إلى الرئتين وينتقل إلى الشعب الهوائية وهي أنابيب دقيقة جدا، ويتخلص الجسم من ثاني أكسيد الكربون وبعض بخار الماء من الهواء ويبقى على الأكسجين، ويسير الأكسجين في الدم إلى أن يصل إلى القلب، والقلب تبلغ عدد نبضاته مائة ألف نبضة في اليوم الواحد، فيحمل الدم الأكسجين إلى كل خلية من خلايا الجسم عن طريق كرات الدم الحمراء وعددها في المتوسط 25ترليون كرة دموية، ويأخذ الدم بقايا الأملاح والسموم والأدوية ويذهب بها إلى الكبد والكلى للتخلص منها، ويذهب الدم إلى المخ والأمعاء والبنكرياس وبقية أعضاء الجسم ليوصل إليها الأكسجين ويأخذ منها النفايات، أما ثاني أكسيد الكربون الذي يستنشقه الإنسان في الهواء فإنه يخرج في الزفير مع الكربون الذي ينتج عن حرق السكر، فيذهب ثاني أكسيد الكربون إلى النباتات لتعيش عليه، ويذهب الكربون في دورة معقدة، ويتحول إلى مواد مفيدة للإنسان، وعملية التبادل بين غاز الأكسجين وغاز ثاني أكسيد الكربون في غاية الدقة بحيث لا يزيد أحدهما عن معدله، وكل منهما يتجمع ويزداد بحساب ومقدار «وكل شيء عنده بمقدار» الرعد: الآية8، وعلى حد تعبير العالم الكبير الراحل الدكتور عبد المحسن صالح.. إنه هندسة رائعة، وتصميم فريد ذلك الذي جعل هذين الغازين يحتفظان بنسبتهما ثابته في الهواء منذ مئات الملايين من السنين، يدور ثاني أكسيد الكربون في الهواء فيلتقطه النبات ويدخل في أوراقها وتكون لدورته في النبات دخول وخروج حدود مرسومة تناسب عمليات الحياة وعمليات البناء بلا زيادة أو نقصان لإنتاج السكر الذي سرعان ما يتحول إلى أحماض أمينية تتجمع وتكون البروتينات، وتسير تلك الصناعة العجيبة لتكون آلاف المواد على هيئة نشا في حبوب وبطاطس وغيرها كثير، وتكون مادة السليلوز الذي يدخل في صناعة الملابس، ويدخل مع مركبات اللجنين فيكون الخشب، ثم يتشكل السكر ويتنوع ليعطينا الفيتامين والدواء والحنظل والأصباغ والروائح الذكية والكريهة، كما يعطينا الألوان، والزيوت النباتية.. وغيرها وغيرها.. وهكذا خلق الله الطبيعة، فكل ما يزيد عن حاجة كائن يحتاجه كائن آخر، والحياة أخذ وعطاء وليس هناك فاقد.
ومع كل هذه الحقائق التي توصل إليها العلماء بكل ما فيها من عمليات تدخل في باب المعجزات، فإن الدكتور عبد المحسن صالح يقول إن العلماء حتى اليوم لم يتوصلوا إلى كل أسرار عملية التمثيل الضوئي وسر الخطوات التي يتم فيها تكوين السكر من غاز ثاني أكسيد الكربون والماء، ولو توصل العلماء إلى هذا السر لكان في إمكانهم أن يوفروا الطعام للملايين، فما أكثر غاز ثاني أكسيد الكربون ويوجد منه في الأرض على هيئة كربونات قدر ما يوجد في الهواء بحوالى300 ألف مرة.
وما أيسر الحصول على الماء، ولكن السر في كيفية هذا التحول لم يكشف الله عنه للعلماء حتى اليوم، والعلماء يعكفون على معاملهم بحثا عن حل لهذه العملية الإلهية على أمل أن تسمح مشيئة الله بالتوصل إليها.
وليس ذلك هو كل ما في الهواء من أسرار وعجائب ولكن فيه أيضا غاز النيتروجين الذي يمثل أحجار البناء في الكائنات الحية كما يقول علماء الحياة، مع أن النيتروجين غاز خامل كما يقول علماء الكيمياء، وهو يكون حوالي 78% من الهواء ولا يعرف العلماء عنه حتى اليوم إلا أنه يضبط عمليات احتراق الأكسجين، ولكن عندما تدب فيه الحياة يدخل هذا الغاز في بناء كل الكائنات الحية ابتداء من الأمبيا ذات الخلية الواحدة إلى الحشرة، وإلى الإنسان والحيوان، وإلى النبات الأخضر.
كيف يدخل هذا الغاز الخامل في عمليات الحياة وبناء الأجسام الحية.. هو الله خلق كل شيء وعالم الأسرار علم اليقين سبحانه القائل «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» ( فصلت: الآية53).
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
09/05/2017
3508