+ A
A -
لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، وزيارة الرئيس الأميركي ترامب المرتقبة للفاتيكان وللمملكة العربية السعودية ثم لإسرائيل في 22 مايو 2017، تعكس مدى اهتمام الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط وفي منطقة الخليج.. وقد أولى الرئيس ترامب اهتماماً معلناً بالتوصل لتسوية في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي لهذا عين لهذه المسألة زوج ابنته (الذي يتمتع بعلاقات شخصية مع نتانياهو) بالإضافة لعلاقة مالية وعمل مع إسرائيل وعلاقات مع حركة الاستيطان في الضفة الغربية..
هذا يوضح محدودية سياسة ترامب بالرغم من أنه ليس متطابقاً في كل الأبعاد مع نتانياهو الذي لا يريد مجرد الحد الأدنى من الضغط الأميركي حول الاستيطان والمستعمرات.. لكن نتانياهو لن يجد ضغطاً حقيقياً من الرئيس ترامب، فعقلية بناء الجدران ودعم المشروع الصهيوني والرؤية العنصرية تجاه المسلمين تخلق تقاطعات بين الرئيس ترامب ونتانياهو. الرئيس ترامب أقرب لتفهم وجهة نظر نتانياهو ومحاولة إيجاد فرص لتحقيقها ضمن معادلة من المعادلات، كما أن اهتمام ترامب بالحل مرتبط بالأساس بالفوائد الاقتصادية التي ستجنيها الولايات المتحدة، إضافة لمحاولة جر العرب لحالة سلام أمني واقتصادي مع إسرائيل.. لكن هذا لن يكون أمراً يسيراً، لأن كل تنازل عربي في هذه الظروف، حتى لو تم تبريره بحكم المواجهة مع إيران، سيعني خسارة أكبر من رصيد الشرعية الرسمية العربية وسوف يعطي فرصاً جديدة لإيران لتسجيل مزيد من المواقف ضد النظام العربي الرسمي.. وفي هذا تساؤل أساسي عن مدى إخلاص العرب لأنفسهم وحقوقهم ومكانتهم عند التعامل مع هذه الإدارة الضعيفة في سلم القيم والفاقدة للنظرة المتوسطة المدى.
ويتضح لكل متابع بأن إسرائيل ليست مستعدة لتجميد مشروعها الاستيطاني، ولا الفلسطينيين قادرون على دفع الثمن الذي تطلبه منهم الولايات المتحدة والذي يتضمن خسارة نسب كبيرة من أراضيهم ومناطقهم بما في ذلك القدس.. فكل صفقة ضمن رؤية حل الدولتين في الظروف الراهنة لن تكون سوى صيغة شكلية تتضمن ما لا يتجاوز حكماً ذاتياً محدوداً للفلسطينيين.. وهذا سيعني أن الرئيس عباس ليس في وضع يسمح له بقبول ما سيقدم له، وذلك لأن إسرائيل ساعية لمصادرة ستين بالمائة من مساحة الضفة الغربية بالإضافة للقدس العربية الشرقية والتي تتضمن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.. لقد وضعت إسرائيل في الضفة والقدس ومحيطها 800 ألف مستوطن وهي ساعية لتكثيفهم وليس لتقليل أعدادهم.. وينطبق ذات الأمر على حركة حماس، التي خطت خطوة باتجاه الانضواء ضمن حركة التحرر الوطني الفلسطيني، لكن خطوة حماس لن تغير المعادلة حول أراضي 1967 وحل الدولتين، فقد وصل حل الدولتين لمأزق تاريخي.
إن الصراع في فلسطين في ظل سعي نتانياهو لنيل اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي ظل استمرار الاستيطان الإسرائيلي، سوف يبقى كما هو: تارة يشتعل وتارة بركان تحت رماد.. الصراع على أرض فلسطين لا تحده حدود، وذلك لارتباطه بحقوق ملايين الفلسطينيين من سكان البلاد الأصليين الصامدين على الأرض بالإضافة لملايين الفلسطينيين في الشتات.. ومازالت الولايات المتحدة دون الوعي بحقائق الأوضاع في الشرق الأوسط.
إضراب الأسرى الفلسطينيين الذي دخل يومه العشرين في سجون إسرائيل هو الأهم، فهو بمثابة إعادة تأسيس لمقاومة مدنية تستنهض جماهير فلسطين، كما وتستقطب محبي العدالة وأصحاب القيم في العالم العربي وفي كل مكان.. فبين قوة إسرائيل وجبروتها وبين إفلاسها الأخلاقي تتعمق الشروط لقيادة مقاومة مدنية فلسطينية تغير المعادلات. ويمثل الأسرى في سجون إسرائيل ذلك الكادر النوعي والقيادي القادر على تقديم الجديد وإدامة شعلة النضال.. في هذه المرحلة يبحث المجتمع الفلسطيني عن بعث جديد للنضال الشعبي الفلسطيني القادر على صناعة مقاومة مدنية تتصدي للجرائم الإسرائيلية. إن سعى الرئيس ترامب لإنقاذ إسرائيل من نفسها عبر تقديم فتات لضحايا الصهيونية ثم سعيه لتحقيق مكاسب اقتصادية سريعة على حساب الحقوق وقيم العدالة لن يخدم مصالح الولايات المتحدة.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
07/05/2017
2874