+ A
A -
في السنة الأخيرة من سنوات الدراسة الجامعية أي قبل اكثر من 25 عاما كان ضمن مقرراتنا الدراسية كتاب (الإسلام والواقع الايديولوجي المعاصر) للعالم الكبير الدكتور محمد البهي، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، وكان أول فصول الكتاب يحمل عنوان «تحديد المفاهيم أولا» ... هذا العنوان يلح عليّ دائما عندما افكر مرغما في أحوال مهنة الصحافة. كما حدث الأسبوع الماضي، حيث صادف يوم الصحافة العالمي 3 مايو.
الناظر بعين الموضوعية إلى أحوال تلك المهنة التي أصبحت بائسة يدرك أن ثمة خللا في تحديد مفهوم واضح لماهية الصحافة، وبالتالي ينسحب الخلل على دورها وحدود علاقتها بالسلطة، ثم بالتبعية أو بالتلازم فإن نفس الخلل المفهوماتي إذا جاز التعبير أصاب العاملين بها.
فالمفهوم البسيط للصحفي هو انه ذلك الشخص الذي يكشف الحقيقة أو ينقلها بأمانة إلى القارئ، وهو صاحب رسالة ومهمة تنويرية وتوعوية، يبذل أقصى جهده من اجل أدائها والقيام بها. وفقا للتعريف فنحن نواجه أزمة كبرى، فلا تنوير ولا كشف للحقيقة ولا حتى توعية، وإنما هي نغمة واحدة يعزفها الجميع بدءا من المانشيت الرئيسي للصحفية وصولا إلى صفحتها الأخيرة.
والحقيقة أن جملة من الأسباب تتحكم في هذا السلوك، منها ما هو متعلق بأمراض المهنة في العالم العربي، ومنها ما يحكمه إمكانات الصحفي والصحيفة، غير أن أهمها وهو بيت القصيد وكبد الحقيقة أننا مجتمعات تفتقر إلى الحد الأدنى من توافر وتداول المعلومات رغم أن الحصول عليها أو حرية تداولها هو أحد الحقوق الأساسية للمواطن، التي اعترف المجتمع الدولي بها منذ وقت مبكر‏، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها الأولى عام‏1946‏ القرار رقم‏59(1)‏ الذي نص علي أن حرية الوصول إلى المعلومات حق إنساني أساسي‏..‏
ولأنها كذلك فقد تبنى المجتمع الدولي قانونا لحرية المعلومات أقرته نحو 68 دولة في العالم ليس من بينها دولة عربية واحدة!
ورغم أن تبني أقراننا في العالم الثالث كالهند وجنوب إفريقيا والمكسيك وبولندا وأنجولا وزيمبابوي وغيرها من الدول‏ للقانون، إلا أن الأنظمة العربية مازالت مصرة، على أن تكون هي المصدر الأول والأخير للمعلومات تنشر منها ما تريد وقتما تريد وتحجب معظمها طوال الوقت، وبالتالي لا يجد الصحفي أمامه من وسيلة للحصول على المعلومات إلا التسريبات والإشاعات، التي توقعه تحت طائلة القانون، وهو اهون كثيرا من الغضب الحكومي– وما أدراك ما الغضب الحكومي– في وطننا السعيد!.. الحرية هي الحل.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
07/05/2017
2728