+ A
A -
قلنا في مقالات سابقة إن النظام الكوري الشمالي لن يستطيع الصمود يوما واحدا دون دعم بكين التي تمده بأوكسجين الحياة، وتتغاضى عن خرقه للعقوبات الدولية. كما قلنا إن بكين، لا تفعل ذلك حبا في سلالة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية، وإنما تفعله بهدف استخدامها، وقت الضرورة، كمخلب قط ضد الدول التي قد تقف في وجه الطموحات الصينية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
من رأي قادة بكين، كما بينا في مقال سابق، ترك الأمور تأخذ مسارها بين الغرب ونظام بيونغ يانغ تصعيدا دون تدخل منها إلا إذا شعرت أن الأمور قد تنفلت بصورة تهدد أمنها هي، وليس أمن العالم ودول الشرق الأقصى المجاورة.
وقد ثبت مؤخرا، على هامش التصعيد الأخير بين واشنطون وبيونغ يانغ، أن الصين تستطيع أن تلجم حاكم بيونغ يانغ وتوقفه عند حده إنْ أرادت وإن قبضت الثمن المناسب. وبعبارة أخرى فإن بكين تستخدم بيونغ يانغ كورقة ضغط ومقايضة للحصول على تنازلات من الإدارة الأميركية في الملفات السياسية والاقتصادية الشائكة بين البلدين، تماما مثلما تستخدم واشنطون قضية تايوان كورقة ضغط ضد بكين.
طيلة الأسبوع الماضي كان العالم كله يحبس أنفاسه على وقع قرع طبول الحرب بين دولة عظمى تملك إمكانيات تدميرية هائلة ويقودها رئيس جديد يريد أن يعيد لبلاده هيبتها العالمية التي اهتزت بسبب سياسات سلفه، وبين دولة جائعة محاصرة يقودها زعيم متهور غير آبه بشيء سوى ترسيخ سياسة عبادة الفرد وصنع أدوات الدمار الشامل والتلويح بها ضد خصومه، ولعل ما زاد من مخاوف اندلاع حرب عالمية ثالثة إرسال واشنطون لحاملة طائراتها «كارل فينسون» إلى قبالة شبه الجزيرة الكورية، وإعلان حالة التأهب في صفوف القوات الكورية الجنوبية واليابانية، ناهيك عن قيام كوريا الشمالية بإخلاء العاصمة من السكان، وقيام بكين بإيقاف كافة رحلات طيرانها المتجهة إلى مدن الأخيرة، وتهديد بيونغيانغ بأنها ستقصف القواعد العسكرية الأميركية أينما وجدت وأنها «لن تتوسل السلام أبدا»، ثم قيامها باستفزاز جديد تمثل في إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى عشية احتفالاتها السنوية بذكرى ميلاد مؤسسها «كيم إيل سونغ»، والتي صادفت أول قمة بين ترامب ونظيره الصيني «شي جينبينغ» في فلوريدا.
لكن فجأة حدث ما نزع فتيل الأزمة أو على الأقل خفف من حدتها ومنع وصولها إلى حافة الانفجار. فما هو هذا الذي جعل العالم يتنفس الصعداء وقتيا على الأقل، لعلمنا أن سياسات بيونغيانغ الطائشة لن تتوقف؟
إنه قيام بكين باستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لحل الأزمة مقابل تفاهمات مع واشنطون أثاء قمة فلوريدا التي طغى عليها الملف الكوري. ودليلنا هو إشادة ترامب بالصين لمساعدتها في ممارسة ضغوط على كوريا الشمالية مقابل قيام واشنطون بتليين موقفها إزاء التجارة مع الصين، بل ذهب ترامب إلى حد إبداء الإعجاب بقرار الصين باعادة 12 سفينة شحن كورية محملة بالفحم من حيث أتت ووقف استيراد الفحم من كوريا الشمالية، وذلك حينما قال: «عاد كثير من السفن المحملة بالفحم. لم ير أحد هذا من قبل مثل هذا التحرك الايجابي من جانب الصين».
أما الدليل الآخر فجاء على لسان وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» الذي قال أن واشنطون وبكين تعملان معا لوضع الأزمة المتفاقمة مع بيونغيانغ تحت السيطرة، مضيفا إن تجارب بيونغيانغ الصاروخية تبين «لماذا نعمل عن قرب مع الصينيين بعد قمة فلوريدا».
وعلى حين تبدو إدارة ترامب مستعدة لانتهاج سياسات أقل تشددا مع بكين حول قضايا التجارة والاستثمار وتلاعب الصينيين بأسعار العملة ومسألة المناخ، فإن على قادة بكين أن يتعاونوا معها ويفعلوا أشياء كثيرة أولا طبقا للباحث «غرانت نيوشام» في صحيفة إيشيا تايمز. على رأس هذه الأشياء: التزام صيني أقوى بتشديد العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ بدلا من الالتزام الفاتر؛ العمل الدؤوب على تجفيف منابع الأموال القذرة المتأتية لبيونغ يانغ من عمليات تجارة المخدرات وتزوير العملات وقرصنة الانترنت وتهريب العمالة وتبييض الأموال من خلال مكاتب تعمل من خلف الستار في مكاو وهونغ كونغ؛ محاربة المصارف التي تقدم تسهيلات لشخصيات وهمية أو سفارات كورية شمالية.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
07/05/2017
2759