+ A
A -
انتخابات فرنسا الرئاسية تعني الكثير لأوروبا ولمؤسستها الاتحادية التي لم تفق بعد من ضربة «البريكست» البريطانية، وتكافح للمحافظة على وحدة الاتحاد، تحسبا من «دومينو» يقضي على حلم أوروبا الموحدة.
وقد تنفس الأوروبيون والفرنسيون الصعداء عندما أظهرت نتائج الجولة الانتخابية الأولى تقدم مرشح «حركة إلى الأمام» إيمانويل ماكرون السباق. شاب حديث التجربة، وبلا تاريخ سياسي عريق صار هو المنقذ لديمقراطية عريقه، ويعقد الرهان عليه للحيلولة دون وقوع فرنسا في قبضة اليمين الشعبوي المتطرف. لكن تلك النتيجة لا تعني زوال القلق من التحولات الجارية، ففي عموم الديمقراطيات الغربية، يخسر اليمين واليسار التقليدي لصالح الاتجاهات الأكثر تشددا وراديكالية. نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، منحت دليلا إضافيا على خطورة هذا التحول في مزاج الناخبين.
مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان نجحت في الوصول إلى الجولة الثانية، ومرشح اليسار المتطرف ميلونشين كسب نسبة معتبرة من المؤيدين الجدد وكان قريبا من المنافسة على الترشح للجولة الثانية، فيما لم ينل مرشحا الحزبين التقليديين الجمهوريين والاشتراكيين مجتمعين أكثر من النسبة التي حصدها مرشح شاب مبتدئ في عالم السياسة، زعيم حركة «إلى الأمام».
تبدو فرص ماركون بالفوز برئاسة فرنسا شبه مضمونة، ففور إعلان نتائج الجولة الأولى أعلن معظم قادة الأحزاب الفرنسية وقوفهم خلف «الرئيس الشاب» ليس لقناعتهم بشخصيته وبرنامجه، بل لقطع الطريق على وصول اليمنية المعادية للاتحاد الأوروبي ولقيم التنوع في المجتمع الفرنسي لوبان لقصر الإليزيه.
فرنسا كانت تميل تاريخيا لليمين، لكنها لم تكن تنحو نحو هذا القدر من التطرف في الماضي. أكثر من أربعين بالمائة من الفرنسيين منحوا أصواتهم للمرشحين المتطرفين المعارضين للاندماج والبقاء في الاتحاد الأوروبي.
ورغم القدر الكبير من المقاومة الذي تظهره الشعوب الأوروبية للتيارات الشعبوية، فإن الحركات والأحزاب التي تنتمي لهذه المدرسة في تصاعد، وفي كل جولة انتخابية تحقق نتائج أفضل من سابقتها، بينما تخسر الديمقراطية الأوروبية روحها التقليدية، تحت تأثير النموذج الأميركي في الانتخابات، ونوعية المرشحين وتوجهاتهم.
فرنسا، وقبل الأحداث الإرهابية الدامية التي شهدتها في السنتين الأخيرتين كانت بمأمن من الشعبوية المتصاعدة، لكن الجدل الذي فجرته تلك العمليات الوحشية، والموقف من قضية اللاجئين، دفعا بشرائح من الناخبين إلى حضن اليمين.
يضاف إلى ذلك وهذا أمر مهم، خيبة الناخبين من أداء الحزبين التقليديين، خاصة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي مني بهزيمة تاريخية غير مسبوقة منذ أربعة عقود.
لكن مثلما كان الرهان على الوجوه الجديدة في الحياة السياسية لعديد البلدان الديمقراطية مفجعا ومخيبا، تبدو تجربة ماكرون مهددة بنفس المصير.
لم يتقدم ماكرون الانتخابات لأنه يملك تاريخا من الصدقية والتجربة، بل لأن جمهور الناخبين غاضب من المرشحين التقليديين، ويسعى للتغيير بأي ثمن، وما أن برز اسم ماكرون بشعاراته الجذابة«لا يمين ولا يسار» حتى وجد الناخبون فيه ضالتهم.
سيتغير الموقف تماما حالما يبلغ ماكرون القصر الرئاسي، ويبدأ بالتعامل مع المشكلات الداخلية والخارجية المعقدة، ولا يجد أمامه غير خبراء اليمين واليسار لينصت لنصائحهم.
كما أن نتيجة انتخابات الجولة الأولى في فرنسا، تقرع مرة أخرى ناقوس الخطر في الاتحاد الأوروبي. باختصار الاتحاد لم يتجاوز مرحلة الخطر التي دخلها بعد خروج بريطانيا. القوى المعادية لفكرة الاتحاد ماتزال قوية وفاعلة وتكسب مؤيدين جدد مع كل جولة انتخابية في أوروبا.
نتائج الجولة الثانية يوم الأحد المقبل، ستظهر كم بات اليمين المتطرف في فرنسا قريبا من «الإليزيه».
بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
04/05/2017
2685