+ A
A -
أحيانا يَكون الواحدُ منا موجوعا، موجوعا بقوة وأكثر من أيّ وقتٍ مَضى، لكنَّ الواحدَ منا يَكتم أنفاسَ صرختِه ويُواصِلُ حياتَه في مَنْفى الأيّام القاسية، لأن الجهرَ بإساءات الآخَرين الذين نكنّ لهم كل التقدير يُؤنِّبُ ضميرَ الواحدِ منا. لذلك يُفَضِّلُ الواحدُ منا السكوتَ على أن يَجرحَ الآخَرين ولو بذِكرِ وحَصْرِ سيئاتِهم.
أن تَذكرَ قسوةَ الآخَرِين عليكَ أو في حُكمِهم عليكَ (ولو مِن باب الذِّكر) يَجْعَلكَ تَجرَحُ الآخَرِين، لو أنتَ أخبرتَهم أو أَخْبَرْتَ عنهم، وتَنكأ الجرحَ، جرحكَ القديم، وتُقلِّبه على جَمرِ الأيامِ التي لا يَليقُ بها أن تَفعلَ بكَ ما تَفعله بكَ.
ما يَذْرِفُه قَلَمٌ لا تَذْرِفُه عَينٌ، ذاك قَلَمُ كاتِب، كاتِب يَحترِق ويَتَلَظَّى تحت نارِ إحساسِه الْمُرْهَف بالوُجودِ وما يَعتلي الوُجودَ لِيَلْتَقِطَ لنا ما تَلتَقِطُه إبرةٌ تَجرُّ خيطاً بعد ضَربةٍ تَصنع بروحِكَ ما يَصنع خنجر قاطعِ طريقٍ أو مِشْرَطُ طبيبٍ جَرَّاح.. فإمّا أن تُقَوّيكَ الضربةُ وإمّا أن تُرديكَ.
تَفْتَحُ فَمَك للصّراخ، تَصرخ بأعلى ما فيكَ مِن صوت، فَلا تَصِلُ الصرخةُ إلى ما هو أَبْعَد من محيطِ قَدَمَيْكَ، لكنَّ قَلَمَكَ حين يَصرخُ تَبلغُ الصرخةُ أقصى مدى.
قلمُك حين يَصرخ فهو يُبحِرُ ويَطير ويُرْعِدُ ويُمْطِرُ ويَثورُ، فَتَشْهد به السطورُ (كلما آنتْ إليها العودةُ)، ويَشهد هو على ما تَفعلُ الأيامُ على مَرّ العصور..
أما صرخة فَمِكَ، فحياتُها قصيرة، وتَأثيرُها بالْمِثل قصير. تأثيرها مَصيرُهُ النسيان، ولا غرابة أن يكون النسيانُ قبرا. لنَقُل إن النسيانَ مقبرة نؤولُ إليها جميعا، مَن طال عمرُه مِنّا ومَن قَصُرَ، مَن طال ذِكرُه منا ومَن قَصُرَ، مَن طال صَبرُه منا ومَن قَصُرَ، مَن اتسع صَدرُه منا ومَن ضاق، مَن تَنَكَّرَ لماضيه منا ومَن حَنَّ واشتاق، مَن أغراهُ البقاءُ ومَن عَجَّلَ به الفراق..
قَد تُجَنُّ احتمالا أو يقينا، لكنك لن تَعرف لماذا يَحدث لكَ ما يَحدث. تتفانى أنتَ في رَسْم البسمات على الوجوه، فإذا مُقابل كُلّ ابتسامة على وَجهِ الآخَرِ دمعةٌ على مُحَيَّاكَ.
إلى متى سَتَجْتَرُّ هذه الآلام التي يَستعصي الشفاءُ منها؟!
إلى متى سَتَشرب من هذه الكأس الْمُرَّة؟!
أَهُوَ عمى بصيرتكَ هذا أم هو عمى أبصارهم الذي يُوقِعُ بكَ في شَرّ حفرة؟!
إلى متى سَتَحترِق بنيران قسوتِهم؟!
وإلى متى سَتُعْلِنُ عِصيانكَ وتَمَرُّدَكَ؟!
الكلمةُ للأيام.
نَافِذَةُ الرُّوح:
«فترةُ الصمتِ وأنتَ تَتأمَّلُ مَنْ يَتَكلَّمون قُبالَتَكَ تَسْمَحُ لعينيكَ وقلبِكَ وعقلِكَ بما يَسمحُ به جهازُ «السكانير SCANNER» الطِّبِّي لاكتشاف حقيقتهم».
«لا تَلُم القَلَمَ، لُم الوَرقةَ التي تَهَيَّأَتْ لَهُ».
«الحُزنُ دَالِيَة، والداليةُ عَناقيد، والعناقيد حَبّات.. فهل تُقَدِّرُ عددَ وَوَطْأَةَ السَّكرات؟!».
«تَطَيَّبْ بالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وتَجَمَّلْ بها».
«الوردةُ كالقَلْبِ الْمُرْهَف، كلما كانتْ يَدُكَ خَشِنَةً جَرَحْتَها كما تَجْرَحُه بلسانِكَ وتَذْبَحُه، وبِقَدْرِ رِقَّتِكَ تتفتَّحُ لَكَ الوردةُ».
«بَيْنَ سَطْرَيْن يُوجَدُ الكثيرُ مِن الكلام الْمَيِّت في العيون التي لا تَرى ما لا تُريدُ أن تَراه».
«أَقْوَى حَرْبٍ حَرْبُكَ مع نَفْسِكَ من أجل بَقَاءِ المبادِئ والقِيَم».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
04/05/2017
3348