+ A
A -
رغم تأليفه عشرات الكتب، وترجمته لعدد من المؤلفات، بخلاف الكتابة الدرامية، كان عميد الأدب العربي طه حسين، يحب أن يصف الأستاذ أنيس منصور، بأنه أكبر قارئ في العالم العربي، وليس أكبر كاتب، أو الكاتب الكبير..
حكاية قارئ كبير أو متوسط أو حتى صغير، يبدو أنه لم يعد وصفا لأي كاتب الآن.. فالقراءة ولو فقط في الموضوع الذي سيكتب عنه، لم تعد تشغل من يفترض أنه كاتب، ولا التسلح بالمعلومات حول الموضوع، وإن كانت متاحة، أصبحت ضرورة.
شخصيا رأيت كتابا- ولا أبرئ إمارتي بالسوء- يدخل الواحد منهم لكتابة مقاله، بمجرد أن يلتقط موضوعا ما يقرر الكتابة عنه، دون أن يعرف عن هذا الموضوع أي معلومات.. وآخر يجلس على عجل أمام جهاز الكمبيوتر، لا لأن حدثا جللا يريد التعليق عليه، ولا لأن وحيا صحفيا هبط على روحه، فهو يريد تسجيل ما أوحي له به، وإنما فقط لأن موعد تسليم المساحة عمود يومي أو مقال أسبوعي أو غيره قد حان، والمطبعة لن تنتظر، فإذا سألته عن موضوع مقاله، رد.. يا عم حتفرج بأي كلمتين خلينا نخلص .
إنها فكرة الاستسهال في كل شيء في حياتنا. فالمدرس مثلا– إلا من رحم ربي- يستسهل ولا يجتهد في تطوير قدراته وأدواته، مكتفيا بإثبات حضوره داخل الفصل الدراسي، حتى لا يتعرض للخصم من راتبه، لأن الخصم مرتبط بالحضور والانصراف فقط، وكذا الحال في بقية المهن والوظائف في بلادنا السعيدة.
مشكلة الاستسهال في الرأي الصحفي والتليفزيوني– ضع ألف خط تحت الرأي التليفزيوني-، أخطر وأعمق.. فكما يتصدى كتاب لكتابة رأي في موضوع ما، دون أن يكون ملما بالمعلومات الأساسية عنه.. يظهر إعلامي على شاشة فضائية، ليدير حوارا، حول موضوع، لم يكن يعرف عنه شيئا قبل دخول الاستوديو ليناقشه مع ضيف لا يختلف عنه كثيرا!
الأدهى والأمر، أن تختصر أدوات الكاتب أو الإعلامي، في التأييد أو المصلحة، ليكون همه الأول والأخير، أن يدافع عمن يحب، بالحق أحيانا، وبالباطل غالبا، أو يسعى لتحقيق مصلحة بالابتزاز تارة، أو النفاق دائما.. فلا حقائق ولا معلومات، ولا موضوعية أخلاقية. فقط هو معتمد على أن مجتمعاتنا، تم تجهيلها لمصلحة الاستبداد والفساد، فأصبحت الأذن أداة الفهم.. أو على ضعف الذاكرة الجمعية ناسيا أن جيلا جديدا من القراء– الكبار- قد نشأ، جيل يتسلح بعفريت مرعب اسمه، محرك البحث يوفر بحرا من المعلومات، وينقذ الذاكرة الضعيفة، بضغطة «ماوس» لمن أراد.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
30/04/2017
2821