+ A
A -
بُعيد انفضاض القمة الصينية الأميركية الأخيرة، صَعَّدَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب من حدّة تهديداته لكوريا الشمالية، مُلوّحاً بخياراتٍ عسكرية. وفي حين لوّح للصين بالخيار التجاري في مقابل الضغط على جارتها الكوريّة، أعلنت بيونغ يانغ جاهزيتها لكل الاحتمالات.
الجولة الجديدة من التسخين السياسي في شبه الجزيرة الكورية، ليست مقطوعة عن الماضي القريب، بل مُتلاصقة معه تماماً، فقد دأبت الولايات المتحدة ووسائل دعايتها، منذ نهاية الحرب الباردة، على تحويل كوريا الشمالية إلى هدفٍ للعقوباتِ الاقتصاديةِ القاسيةِ، وإرسال السفن وحاملات الطائرات إلى تلك المنطقة، وكان آخرها تحريك حاملة الطائرات (يو إس إس كارل ?ينسن) إلى المياه الكورية، والمناورات الأميركية الكورية الجنوبية التي أعلن الأميركيون أنها تضمنت تدريبات على ضرب المنشآت النووية الكورية، مترافقاً ذلك مع تصعيد كلامي ووعيد.
لقد اندلعت حرب التصريحات والتهديدات الإعلامية المُتبادلة بين بيونغ يانغ وواشنطن مؤخراً، فزاد منسوب القلق بين قوتين غير متكافئتين عسكرياً، إحداهما تمتلك سلاحاً نووياً سبق أن استخدمته في إحدى أكثر المغامرات وحشية في التاريخ الحديث، والثانية تجهّز برنامجها النووي، ولا أحد يعلم بالضبط مستوى قدراتها في هذا المجال.
تُعَدّ كوريا الشمالية واحدة من البلدان المُغلقة في العالم منذ فتراتٍ طويلة، وتحديداً منذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية عام 1953، حيث يُسيطر عليها نظام شمولي وحديدي، وتحت راية الحزب الواحد. ولأنها كذلك، فإن الغموض يُحيط دوماً بما يجرى ويعتمل داخلها، بما في ذلك تطوير قدراتها العسكرية بشكلٍ مُستمر، وقد توجت جهودها في هذا المضمار بالعرض العسكري الأخير الذي جرى في العاصمة بيونغ يانغ، وظهور العتاد الصاروخي القادر على الوصول إلى غرب الولايات المتحدة الأميركية وفق تقديرات بعض المتابعين. وسبق ذلك إجراؤها للتجربة النووية الخامسة، والتي كانت قد أجرتها قبل عدة أشهر، وقد فاجأت بيونغ يانغ العالم بأسره بتجربتها النووية إياها، والتي فاقت قوتها مفعول قنبلة هيروشيما التي أُطلقت على اليابان في السادس من آبأغسطس 1945، وقد أدّت لحدوث هزة أرضية في إطار دائرة واسعة من منطقة تنفيذها، وقد بلغت قوة تلك الهزة على مقياس ريختر نحو (5.3) درجة، فكانت الأقوى حتى الآن من بين تجاربها النووية التي قامت بإجرائها.
ومنذ عام 2014، تسارعت وتيرة التجارب النووية والصاروخية الكورية الشمالية بشكلٍ ملحوظ لدرجة دفعت بعض الخبراء إلى الاعتقاد بأن العلماء في كوريا الشمالية قد طوروا رؤوساً حربية نووية صغيرة يُمكن وضعها على الصواريخ، حيث جاءت تجربة بيونغ يانغ تؤكد ذلك، فقد أُستخدِمَ في التجربة النووية الأخيرة رأس نووي واحد، في تجربة نووية هي الخامسة التي أجرتها (بيونغ يانغ) منذ دخولها نادي العتاد والسلاح النووي بشكلٍ مكشوف ومعلن.
إن مصلحة دول المنطقة، وخاصة جمهورية الصين الشعبية، وكوريا الجنوبية، تَكمُنُ في وقف التصعيدِ والتسخين في شبه الجزيرة الكورية، والعودة إلى المفاوضاتِ المباشرةِ، والأرجح في هذا المجال أن يمتنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التصرّف على سجيّته من دون أخذ مواقف الصين وكوريا الجنوبية ومصالحهما بالاعتبار.
فمصلحة الصين وكوريا الجنوبية تقتضي وقف التسخين والعودة للحلول السياسية والدبلوماسية، وقد دخلت بكين بالفعل على خطّ التهدئة، من خلال دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى حلّ سلمي لأزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي، يَضمَن «الحفاظ على السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية». لذلك بادر واستدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وطلب من مستشاريه أن يقدّموا «مجموعة كاملة من الخيارات» في معالجة الملف النووي الكوري الشمالي بعيداً عن طبول الحرب.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
28/04/2017
1783