+ A
A -
ثمة مفارقة غريبة لها علاقة بالبحر الأبيض المتوسط، الذي يوصف دائماً بأنه «بؤرة التاريخ وقلب العالم».
البشر الذين يقررون الهجرة شمالاً نحو «الجنة الأوروبية» غالباً ما يبتلعهم هذا البحر، في حين أن «الطيور» التي تهاجر في الشتاء إلى جنوب المتوسط نحو إفريقيا، وتعود في الصيف إلى شمال القارة الأوروبية، تذهب سالمة وتعود بسلام.
تقدم آخر إحصائية نشرتها «المنظمة العالمية للهجرة» أرقاماً موجعة عن البشر التعساء الذين يضطرون إلى ركوب الأمواج في رحلة مخاطر من شمال إفريقيا إلى جنوب أوروبا. هؤلاء التعساء ينتقلون من الدول الأفريقية جنوب الصحراء نحو ليبيا والمغرب.
في ليبيا التي تعاني تمزقاً وعدم استقرار يواجه المهاجرون أوضاعاً مزرية، تصل حد «العبودية»، كما أفادت تقارير موثقة، أن البلاد تعيش حالة اضطراب قصوى.
في المغرب حيث الاستقرار، وعلى الرغم من قرار السلطات بمنح المهاجرين الأفارقة إقامة قانونية، فإن أغلبهم يخاطرون بحياتهم في رحلات مميتة عبر قوارب مهترئة، لا تصل إلى الضفة الأخرى، بل تغوص في لجة البحر، ويتحول المهاجرون إلى خبر مقتضب يقول «غرق مركب كان يحمل مهاجرين من جنوب الصحراء» أو في أحسن الأحوال «أنقذ الحرس المدني الإسباني أو خفر السواحل الإيطالي قارباً يحمل مهاجرين أفارقة».
أعود إلى المفارقة.
يقول تقرير منشور في موقع «الجمعية البريطانية لعلم الطيور» إن طيور الوقواق بدأت هذه الأيام رحلتها من شمال إنجلترا نحو القارة الأفريقية. تمضي هذه الطيور قرابة سنة كاملة في أفريقيا ثم تعود في رحلة متقطعة إلى أوروبا حتى تصل إلى أقصي شمال القارة.
يتابع علماء بريطانيون رحلة طيور «الوقواق» (الكوكو) عبر تثبيت قطعة معدنية في أعلى جسم الطيور بحيث ترسل هذه القطعة المعدنية إشارات إلى الأقمار الصناعية ومن ثم إلى مقر العلماء الذين يتابعون رحلتها من مقاطعة «نورفولك» في شمال إنجلترا.
ويعد طائر الوقواق من أكثر أنواع الطيور المهاجرة سرعة في الطيران، وعادة ما يهاجر من إنجلترا أو بعض أنحاء أوروبا الأخرى متوجهاً في رحلة سنوية طويلة نحو دول جنوب القارة الأفريقية. كان العلماء البريطانيون قرروا متابعة تحركات هذه الطيور لتفسير ظاهرة انخفاض أعدادها في أوروبا، خاصة في إنجلترا.
هذا عن الطيور، لكن ماذا عن البشر.
يقول تقرير «المنظمة العالمية للهجرة» إنه في الفترة من 14 إلى 18 أبريل الحالي جرى إنقاذ 8360 مهاجرا في البحر الأبيض المتوسط من طرف حرس السواحل الإيطالي، وكان هؤلاء المهاجرون يستعملون قوارب مطاطية وخشبية، يحمل كل قارب منها ما بين 110 إلى 150 مهاجرا.
وتتوقع المنظمة أن يصل عدد المهاجرين خلال هذا الأسبوع إلى 36 ألف مهاجر، في حين أفادت أن 900 مهاجر لقوا حتفهم غرقاً في البحر الأبيض المتوسط منذ بداية السنة الحالية، ومعظم المهاجرين يركبون حالياً «قوارب الموت» من ليبيا.
بالمقابل هناك مجموعات صغيرة من المهاجرين ينتقلون من المغرب إلى كل من «سبتة» و«مليلية» اللتين تحتلهما إسبانيا في شمال المغرب، وعادة ما يكون حظ هؤلاء أفضل من أولئك الذين يركبون الأمواج من ليبيا. وعلى الرغم من أن السلطات المغربية مستمرة في سياساتها بمنح المهاجرين الأفارقة إقامة قانونية في المغرب، فإن ذلك لم يضع حداً للهجرة غير الشرعية نحو دول أوروبا جنوب المتوسط.
ثمة أصوات تتعالى بين ضفتي المتوسط من أجل عقد مؤتمر عالمي بشأن معالجة الوضع في المتوسط، الذي أضاف إلى توصيفاته بأنه «أكبر مقبرة بشرية في التاريخ». إذ الطيور تعبر المتوسط بأمان، والبشر يغوصون في القاع.
حقاً إنه بحر عجيب.

بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
22/04/2017
2834