+ A
A -
مثل الاستفتاء التركي الأخير حول التعديلات الدستورية التي تمكّن مؤسسة الرئاسة من صلاحيات واسعة درسا جديدا للإعلام العربي والأوروبي بشكل عام. فقد فاز عدد الأصوات الداعمة لمشروع القانون بنسبة فاقت مجموع أصوات الناخبين مما سيمنح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان هامشا كبيرا للحركة وهو ما يعد انتصارا كبيرا له ولحزبه وذلك لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية الفتيّة. عربيا وأوروبيا تباينت المواقف من نتائج الاستفتاء بشكل كبير بين من اعتبر هذه الانتخابات درسا جديدا في الديمقراطية التركية وفي سلطة الشعب وقدرته على تقرير مصيره وبين من اعتبرها ترسيخا لدكتاتورية جديدة.
أوروبيا يمكن فهم المواقف المعادية لتركيا في سياق الصراع القديم بين الامبراطورية العثمانية من ناحية وأوروبا المسيحية من ناحية أخرى وذلك في إطار التنازع الامبراطوري بعد تقسيم تركة «الرجل المريض» أواخر القرن التاسع عشر. أوروبا المسيحية لا تريد لتركيا أن تلج النادي المسيحي وأن تضخّ في قلب أوروبا قرابة سبعين مليون مسلم قد يغيرون خارطتها الثقافية والحضارية والاجتماعية وهي التي تعتبر نفسها ناديا مسيحيا بامتياز. هذا الصراع المتواصل والذي لم يتوقف بين أوروبا والوريث الحقيقي للإمبراطورية العثمانية هو الذي يفسر في جزء كبير سبب العداء الغربي لأردوغان وللتجربة التركية بصورة عامة.
أما عربيا فإن الإعلام الرسمي لم يتأخر في استنقاص نتائج التجربة التركية وخاصة من طرف الإعلام القابع تحت سلطة الجمهوريات العسكرية. ففي مصر التي ترزح تحت واحد من أشرس الأنظمة العسكرية الانقلابية انطلقت أبواق كثيرة للنيل من نتائج الاستفتاء وعنونت أكثر من صحيفة أن أردوغان بصدد التأسيس لدكتاتورية جديدة.
تركيا دولة جارة ودولة مسلمة مناصرة للقضايا العربية العادلة ولم تتردد في المخاطرة بالوقوف ضد الانقلابات التي واجهتها الثورات الشعبية الأخيرة وخاصة في مصر كما وقفت إلى جانب الشعب السوري في محنته عندما استضافت على أرضها ملايين السوريين. كما يقيم على أرض تركيا آلاف المعارضين العرب ممن هُجروا من أرضهم وطردوا من منازلهم سواء في مصر أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو لبنان.
إن قراءة المواقف الإعلامية التي تعكس في الحقيقة مواقف سياسية للنظام الحاكم تكشف عن الخلل الكبير والقصور الفادح في القراءة العربية. فإذا كان للموقف الأوروبي مستندات موضوعية وتاريخية تفسره فإن الموقف العربي المناهض لنتائج الاستفتاء لا يعكس غير حساسية الأنظمة الاستبدادية من الممارسات الديمقراطية ورفضها تحرير إرادة شعوبها.
الدرس التركي يمكن أن يكون نموذجا يرسم قدرة الشعوب على التحرر من الأنظمة العسكرية الاستبدادية وخاصة ملاءمة الإسلام للممارسة الديمقراطية الحديثة.
بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
20/04/2017
2442