+ A
A -
في قديم الزمان عاشت امرأة مع ولدها الوحيد، وفي أحد الأيام طلبت من ولدها أن يغلق الباب لأنها خائفة، فسألها الفتى، الذي لم يسمع من قبل هذه المفردة،: ما هو الخوف؟ قالت: الخوف هو حينما يكون الإنسان خائفاً.. لم يجد في الجواب جواباً، فقرر أن يخرج ليبحث عن الخوف، وفي الطريق رأى مجموعة من قطاع الطرق جالسين حول نار موقدة، حياهم بمودة، وخاطبه أحدهم بدهشة: ليس هناك من يجرؤ على الاقتراب منا، فكيف تجرأت على مخاطبتنا؟ فرد الفتى: إنني أبحث عن الخوف، قال واحد منهم: «الخوف هو هنا حيث نجلس، خذ هذا الدقيق والسكر والسمن واذهب إلى تلك المقابر واصنع لنا حلوى»، وفي المقابر أوقد الفتى النار وبدأ في صنع الحلوى، وبينما هو منهمك في عمله خرجت يد من مقبرة، وخاطبه صوت مرعب: أعطني بعض الحلوى، وبلا تردد ضرب الفتى اليد بالملعقة التي كانت بيده ورد بسخرية: «كيف نطعم الموتى قبل الأحياء»، واختفت اليد على الفور، ومضى يكمل عمله. ولما فرغ عاد إلى قطاع الطرق.. فسألوه: هل وجدت الخوف؟ أجاب: لا كل ما حدث هو أنني رأيت يداً تخرج من القبر فضربتها بالملعقة، اشتدت دهشتهم فأرسلوه إلى بيت مخيف، توجه إليه فوجد طفلاً معلقاً في سلة يبكي وفتاة تجري حوله بلا هدف، ما إن رأته حتى طلبت منه أن يرفعها فوق كتفه لتحمل الطفل، وافق الفتى فصعدت على كتفه وبدأت تعصر رقبته بقدميها حتى كاد يختنق، ألقاها من فوق كتفه وسار مبتعداً، حتى وصل شاطئ البحر وشاهد سفينه تتمايل يمنة ويسرة وصرخات مرعبة تنبعث من داخلها، ناداهم من مكانه: هل وجدتم الخوف؟ وأتته الإجابة: «إننا نغرق»، وثب الفتى إلى البحر وغاص إلى الأعماق فوجد عروس البحر وهي تحاول أن تغرق السفينة، دفعها بقوة، فغابت عن الأنظار، شكره أصحاب السفينة.. ومضى يبحث عن الخوف وجد حديقة فقرر أن يرتاح فيها. وبينما هو جالس حطت حمامات ثلاث ما لبثت أن تحولت إلى ثلاث فتيات جميلات اقترحن أن يشربن نخب الفتى الجريء الذي لم يخف من يد إحداهن حين خرجت من القبر ولا من الفتاة التي صعدت على كتفه ولا من عروس البحر المتوحشة. وما إن سمع كلامهن حتى تقدم وعرّف عن نفسه، فقابلنه بترحاب شديد وعرضن عليه الذهب والمجوهرات والحياة الرغدة معهن، لكنه رفض؛ فمازال يبحث عن الخوف.
ودعهن وسار بعيداً حتى وصل مدينة أهلها واقفون أمام قصر السلطان الذي توفي حديثاً وينتظرون إطلاق حمامة ستختار أن تقف على رأس رجل سيصبح السلطان الجديد، وقف معهم فجاءت الحمامة ووقفت على رأسه، رفض أن يصبح سلطاناً، فأطلقوا حمامة أخرى ووقفت على رأسه أيضاً، وفي المرة الثالثة كذلك. علمت أرملة السلطان برفضه فأرسلت تطلب منه أن يقبل هذا المنصب لليلة واحدة وسيجد ما يبحث عنه، في المساء طلبت من طباخ القصر أن يعد عشاءً فاخراً ويضع عصفوراً حياً في طبق الحساء، في المساء جلس الفتى مع أرملة السلطان وأشارت عليه أن يبدأ بالحساء، وما إن رفع الغطاء حتى اندفع العصفور وطار بعيداً، وكان ما حدث غير متوقع ومفاجئاً بحيث أصاب الفتى الرعب، وظل فاغر الفم للحظات، لقد عرف الخوف أخيراً.
لم يخف من جسام الأمور وأخافه عصفور، ومعظم الناس كذلك.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
19/04/2017
1565