+ A
A -
لا يهمني كثيرا ان كان النظام او المعارضة وراء تفجير حافلات «البلدات الاربع» في سوريا، ولا عدد الضحايا الذين تجاوزوا مائة قتيل ومئات الجرحى. لكن الذي يهين الانسانية جمعاء هو ذلك التعود المريض على القتل الجماعي بسادية وإدمان، وانحطاط بشري لم تعهده الانسانية في عصور الظلام كافة.
غير ان هذا النوع من النذالة والحقارة، ايقظ لدي شعورا كنت احاول طمسه تحت ركام امنيات تبدو اليوم ساذجة، حول امكانية ان تتحقق معجزة انتشال الدولة السورية من الهاوية السحيقة التي سقطت فيها قبل ست سنوات وتزداد عمقا يوما بعد يوم الى ان اصبحت بلا قاع.
وتحول ذلك الشعور الى قناعة مفادها ان سوريا لن تخرج من الهاوية وأن احدا لن يفلح في اخراجها، سواء الروس او الاميركيون او الامم المتحدة او جنيف الثامنة او حتى جنيف الثامنة بعد المائة. ولعل معايشتنا لهمجية غير مسبوقة في التاريخ وللسهولة المرعبة التي يلجأ فيها المتقاتلون الى نسف البشر على مدار الساعة، تؤكد ان ما أفرزته سوريا أسوأ من حروب المغول وغزوات التتار، وأفظع من تدمير الحضارات على امتداد الزمن، ومن اعدامات القرون الوسطى وإحراق السحرة او بطش الكنيسة بالشعوب الاوروبية، وكل انواع التطهير العرقي ومحاكم التفتيش.
ينتابني استغراب وتعجب لقدرة البشر هناك على ان يفعلوا ببعضهم ما يفعلونه، وهو ما يثبت ان سوريا عاشت من التطورات الوحشية وارتكاب الفظائع بدم ابرد من الثلج، ما يدخل ضمن حالة مجنونة مستعصية على التفسير، حتى بتنا غير قادرين على تصور اي تسوية وسط هذا العبث الاسطوري بمقدرات الامة ومستقبل الملايين من الناس، الى درجة تولد معها قرار هستيري بتنفيذ اجلاءات مريبة ومقرفة وذات طابع قسري لعشرات الآلاف من السكان، كتقدمة لتعميم هذه المكائد الديمغرافية المذهبية الدوافع، على كافة المناطق.
التفسير الوحيد القابل للفهم هو ان تلك الخطط الشيطانية هي انعكاس لكوابيس تعشش في عقول المتسلطين في دمشق ممن لا صلة لهم بالانسانية او الاخلاق او القيم.
لا يعنيني حتى ذلك الاجماع العالمي على ضرورة محاسبة بشار وتدفيعه اثمان جرائمه وإبادته الجماعية للسكان، لكن الذي يؤرقني ويحيرني هو «لماذا كل هذا».. ولماذا اختلت موازين العقل لدى الحكام، وكذلك لدى المعارضة، ولاحقا لدى الغزاة الروس والايرانيين، سواء من يعرف الله منهم او لا يعرفه؟
سوريا كلها خان شيخون، وملايينها العشرون في بلاء ما بعده بلاء وفي حالة عمى موجع انحدرت عبره الدونية الى الترحيل القسري للمنكوبين من محافظة الى محافظة ومن بلدة الى بلدة ومن «لا بيت» الى «لا بيت»، ما جعل الذين فروا الى الجوار محظوظين لا منكوبين.
الناس في سوريا يموتون بالجملة، جوعا وعطشا وكمدا وتنهال عليهم البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والفوسفورية والغازات السامة كأنهم صراصير.
لا ندري إن كان احد سيحاسب احدا بعد ان صارت سوريا غابة ابشع بعشرات المرات من الغابة الصومالية. سيخرج الروس والايرانيون في النهاية ويختفي الحكام المجرمون في ثنايا الغابة، حيث لا سلطة، بل فوضى عارمة وأمراء حرب وإقطاعيات!.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
17/04/2017
1217