+ A
A -
القول: إنما يحفلُ بالحُبّ النساء
القائل: أبو مريم الحنفي
أما القصة فهي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي أبا مريم الحنفي، قاتل أخيه زيد بن الخطاب
فقال له: واللهِ لا أحبكَ حتى تحبّ الأرض الدم المسفوح!
فقال أبو مريم: أتمنعني لهذا حقًا هو لي
فقال عمر: لا
فقال: أتغصبني حقًا ليس لكَ
فقال عمر: لا
فقال أبو مريم: فإن كان عدل وإنصاف يا أمير المؤمنين، فإنما يحفلُ بالحُبّ النساء!
الدرس الأول:
زيد بن الخطاب شقيق أمير المؤمنين عمر لأبيه، كان زيد أكبر من عمر بعشر سنوات، وكان عمر يحبه كثيرًا، فقد كان الخطاب أبوهما قاسيًا شديدًا، وكان أقسى على عمر منه على زيد، فكان زيد يعينه ويصبره، أسلم زيد قبل عمر بثلاث سنوات وأخفى إسلامه، وكان من أوائل المهاجرين، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم كل المشاهد، وكذلك شارك في حروب الردة مع الصّديق رضي الله عنه، وكان يوم اليمامة يحمل راية المسلمين، واستشهد فيها على يد أبي مريم الحنفي قبل أن يسلم، فحزن عليه عمر حزنًا شديدًا، وظل يذكره حتى آخر أيام حياته، فيقول: رحم الله زيد بن الخطاب، أسلم قبلي واستشهد قبلي، ولما جاء متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا شعرًا عند أبي بكر، قال له عمر: لو أني أعرف قول الشعر لرثيتُ أخي زيدًا! فقال له متمم: لو أن أخي استشهد كأخيك يوم اليمامة ما رثيته! فقال له عمر: يرحمك الله، ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني!
الدرس الثاني:
لا يمكن لأحد أن يخرج من طبيعته البشرية مهما حاول، نحن نحب ونكره، نفرح ونحزن، نعطي ونبخل، نهدأ ونغضب، نُقبل وندبر، نجوع ونشبع، نرضى ونسخط، هذه الأشياء هي التي تجعلنا بشرًا، ولكن ونحن نمارس بشريتنا علينا ألا ننسى أن الغرائز يجب ألا تسيطر علينا، وأن النبيل تحكمه أخلاقه وقيمه ومبادئه، تمامًا كما كان عمر بن الخطاب نبيلًا، ليس لأحد أن يقول لعمر عليك أن تحب قاتل أخيك ولو أسلم بعد ذلك، هذه طبيعته البشرية التي لا سبيل له عليها، كما لا سبيل لنا جميعًا، ولكن عمر النبيل لم يمنعه البغض من العدل والإنصاف، فلم يمنع أبا مريم حقًا هو له، وقسم له سهمًا كما قسم للمسلمين جميعًا، إننا لا نملك زمام قلوبنا أحيانًا لأننا بشر، ولكن علينا أن نملك زمام تصرفاتنا، فإياك أن تأخذ حق إنسان لأنك تبغضه، أو تسكت عن باطل آخر لأنك تحبه.
الدرس الثالث:
قلوب الناس لهم، وليس لكَ أن تملي عليهم المشاعر التي يكنونها لك، الشيء الوحيد الذي لكَ ألا تقبله هو أن تُظلم لبغض، أو يُسكتَ عنك لحب! فإن حُرمت شيئًا هو لك، قفْ كالجبل مدافعًا عن حقك، وقد قال عمر بن الخطاب: يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم قال بملء فيه: لا. وإن أُعطيت حق إنسان آخر فلا تأخذه، فالمعطي والآخذ في الإثم سواء، وكل يوم نسمع عن أب جعل ماله كله لابن واحد وحرم البقية من الميراث، فهنا كلاهما ظالم، الأب والابن، لأن الميراث ليس لرابطة الحب وإنما لرابطة الدم، وبئس الحب الذي يدفع إلى الظلم، والابن الذي يأخذ حق إخوته لا يعفيه من الإثم أن أباه هو الذي أعطاه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على النحو الذي أرى، فمن قطعتُ له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار»! فلا تركن إلى محاكم الدنيا وتنسى محكمة الآخرة!
الدرس الرابع:
إنما يحفلُ بالحُبّ النساء!
جملة ليست في سبيل الذم وإنما في معرض المدح، المرأة مخلوق رقيق، تلتفت للمشاعر كثيرًا، فطرة الله التي فطر عليها الناس، فالرجل نصف البشرية الصلب الكاسب، والمرأة نصفها العذب الرقيق، ضع هذا نصب عينيك وأنت تعامل النساء، زوجة وأمًا وأختًا وعمة وخالة وبنتًا، لا تكسر قلب امرأة، فإنما النساء قلوب!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/04/2017
15590