+ A
A -

ما يجب إدراكه بعد ضربة «الشعيرات» أن دونالد ترامب أدخل العالم إلى حرب باردة جديدة، مع ضرورة التأكيد لكل الذين يُهونون من تبعات تلك الضربة، أن التاريخ المعاصر ينقسم إلى حقبتين: حقبة ما قبل خان شيخون وحقبة ما بعدها.
ترامب الذي نراه الآن ليس ترامب الانعزالي الذي كان طوال حملته الانتخابية يردد شعار «أميركا أولاً» ويغازل صديقه بوتين على الهواء مباشرة، فالرئيس الخامس والأربعون يجلس الآن في مقعد الطيار ويتحدى زعيم الكرملين، أكثر قادة العالم دهاء وتصميماً.
ولا يهمنا أبداً إنكار بشار الأسد مسؤوليته عن الهجوم الكيماوي، ولا اتهامه السخيف تنظيم القاعدة والغرب بالتآمر معاً لفبركة الرواية واستخدامها كمبرر لضرب النظام، فالكذبة تستعصي على الرتق، ما دعا إدارة ترامب إلى تأكيد خرق بشار الخطوط الحُمر، ووصفه لأول مرة رسمياً، بمجرم حرب لابد مستقبلاً من سَوْقِه إلى المحاكم الدولية في لاهاي.
لكن ما يهمنا فعلاً هو فهم الدوافع التي حركت ترامب لاستخدام القوة العسكرية ضد النظام، حيث ثبت بالقطع من طريقة تفكير الرئيس أنه يريد «أميركا قوية»، لا «أميركا مهزلة» يسخر منها الطاغية الكبير في موسكو والطاغية الصغير في دمشق، وطغاة آخرون في إيران وكوريا الشمالية أيضاً.
وكما يرى الكثير من المحللين، فقد كان رد فعل ترامب على فضيحة خان شيخون الوحشية موزوناً ومدروساً مقارنة - على الأقل - بضربات أوسع وأشمل خطط لها أوباما عام «2013» للانتقام من لجوء النظام إلى ضرب غوطة دمشق بالكيماوي، ثم تراجع عندما «مَكَرَ له» القيصر وأقنعه بعدم استعمال القوة ضد دمشق مقابل إخراج أسلحة بشار الكيماوية من البلاد.
لقد كره ترامب أوباما منذ ذلك الحين، وظل عامل السخرية من أميركا يستحوذ عليه، إلى أن ضرب قاعدة الشعيرات بستين صاروخاً غير عابئ بدوسه، في الطريق، على هيبة بوتين المسؤول الأول عن الوضع في سوريا.
ربما يكون صحيحاً قول البعض انه كان على ترامب أن يوجع بوتين وبشار أكثر بكثير مما أوجعهما، لكنه الآن مطالب بعد أن أبقى الباب مفتوحاً لمزيد من الضربات في المستقبل (ليس الفوري)، أن يسارع إلى صياغة السياسة الجديدة التي سيتبعها.
فنستطيع القول إنه إذا تراجع ترامب عن الضغط العسكري على نظام بشار الموغل في اللاإنسانية، فإن التبعات ستكون مدمرة، وسيترجم الكرملين التراجع ضعفاً مما يرفع منسوب الحرب السورية ويشجع روسيا وإيران ودمشق على استئناف التوسع والتمدد في الشرق الأوسط والخليج وكذلك في البلطيق والقارة الأوروبية ذاتها.
لكن انعدام الثبات في الاستراتيجيات ضار جداً، وفريق ترامب يدرك ذلك بالطبع، حيث بات منتظراً من الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً قوياً جداً حيال أطماع موسكو وطهران بصورة خاصة، هذا إذا أراد الرئيس أن يعيد التوازن إلى المنظومة العالمية، ويقضي على الفوضى غير الخلاّقة التي اعتمدتها موسكو وطهران ودمشق.. وهذا على الأرجح هو ما تسير الأمور باتجاهه.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
15/04/2017
1169