+ A
A -
في منطقة الصنع في وسط قطر.. كنت أتجول وإذ بصوت شجي يصل إلى مسامعي لعزف ناي حزين فلاحظت قطيع أغنام يندمج مع النغمات الصادرة من الناي فيما تواصل التهام الأعشاب التي نبتت لوفرة أمطار الشتاء في هذا الموسم، وقفت حتى يواصل الراعي عزفه.. فاستمعت إلى عزف ممتع يصدر نغمات بتون ونصف التون وثلاثة أرباع التون وبدقة كبيرة، وحين توقف ليعيد احدى غنماته إلى مسارها.. اقتربت منه وقدمت له تحيتي وقلت له إنني منذ طفولتي كنت معجباً بالناي خاصة منذ أن كتب لها الشاعر الرقيق جبران خليل جبران قصيدته في بلاد الاغتراب وبعث بها إلى الصوت الملائكي فيروز لتشدو بها لتكون لحننا الذي نصحو عليه كل صباح ونحيي الرعيان وهم ذاهبون إلى المراعي وهم قافلون وتجدهم يعزفون على هذه الآلة كلمات جبران حتى حفظناها عن ظهر قلب:
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا سرّ الخلود
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الوجود
هل اتَخَذت الغاب مثلي.. منزلاً دون القصور
فتتبّعت السواقي.. وتسلّقت الصخور
هل تحمّمت بعطر.. وتنشّفت بنور
لينقلنا إلى كروم العنب حين يقول
هل جلست العصر مثلي.. بين جفنات العنب
والعناقيد تدلّت.. كثريّات الذهب
هل فرشت العشب ليلاً.. وتلحّفت الفضا
زاهداً في ما سيأتي.. ناسياً ما قد مضى
فما أجمل اللحن وما أجمل الكلمات في أن تزهد في ما سيأتي وتنسى ما قد مضى
نعم أن تنسى ما قد مضى لا يتم لك دون أن تعزف على ناي يبعث الشجن الحزين..
أمسكت بناي جاء به لي صديق إلى المكتب.. حاولت أن أعزف بتونة أو بنصف تونة فلم أستطع فالحزن في القلب يغطي مساحة الوطن العربي..
سألني ملحن فلسطيني اذا كنت أعرف «ناي» فقلت له ومن لا يعرف الناي.. فهو رفيق عمر منذ الطفولة حين كان ابن عم لي يسوق غنمه صباحاً بالناي، ويعود بها مساء بالناي.. فقال: أنا اسألك عن «ناي البرغوثي» قلت.. من أطلق عليها هذا الاسم هو عربي أصيل.. فالناي هي الآلة الشرقية القديمة التي استخدمها البابليون والمصريون القدماء.. وأشجت جبران.. وفيروز ليكون هذا الإبداع مع الناي.
نبضة اخيرة
بين لغة ولغة حرف قد يشعل الحرب.. وحرف يحرق الحب!

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
12/04/2017
1946