+ A
A -
أن تقرأ عن شيء ليس كما أن تراه، وتعيش أحداثه عن قُرْب....أن ترى بعينك وجه امرأة شوهه حذاء زوجها الذي استخدمه لضربها ليس كما أن تسمع هذه القصة من مصدر ما... أن ترى حولها أولئك الأطفال الباكين الخائفين من مستقبل مجهول صبغته تلك الأحداث التي اختلطت فيها الإهانة والذل والألم بالدموع، ليس كما أن ترى ذلك في مسلسل أوفيلم ما... إنه واقع يطرح أسئلة كبيرة، ويشرح أجوبة كثيرة. لم تكن هي الأخيرة التي رأيتها فقد اكتشفت بعدها حالات عديدة.
نساء بتعليم عالٍ، ووظائف مرموقة وعمر تجاوز الأربعين مازلن يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن رغم طول العشرة، وكثرة العيال. يعني أن الأمر لا يتصل بقلة التعليم، أوالثقافة الاجتماعية السائدة بمعنى أن تكون ذكورية، أوغير ذلك.. في السابق رغم بساطة الناس وأميتهم إلا أن هذا الأمر كان قليل الانتشار، وكان يعد من عدم المروءة، ومن ضعف الرجولة. طبعاً في السابق كان هناك سياج قوي من الأخلاقيات التي تعزز مبادئ الاحترام في مجتمعاتنا المحافظة.. فقدنا العديد منها اليوم مع كل الطفرات، والتغييرات التي مرت على مجتمعاتنا بما فيها من سلبيات، وإيجابيات. أول سؤال قد يتبادر إلى الذهن هو: كيف سمحت هذه المرأة بكل ما تملكه من إمكانيات، وكرامة لهذا الأمر أن يحدث.. بل وأن يستمر! خاصة أن هذا الضرب، وهذا التعنيف لمجرد الخلافات الأسرية العادية؟ ولماذا لم يسعفها وعيها المفترض في وضع حد لهذه التجاوزات وهذا العنف الذي يزعزع حياة الأسرة بأكملها خاصة مع كم التشوهات التي يتركها في نفوس، وشخصيات الأبناء، وفي حياتها الشخصية؟ وبما أن سلوك العنف من السلوكيات الممكن كبحها، وعلاجها إن لم تكن بسبب مرض عقلي حقيقي؟ وهل من الصحيح تقبل هذا الأمر، والتجاوز عنه مقابل الاستمرار في الحياة الزوجية بعيداً عن شبح الطلاق، وتشتت الأبناء؟ طبعاً هذا الأمر يعد من التضحيات العظيمة التي قد تقدمها المرأة من أجل أسرتها. لكن باعتقادي أنها من التضحيات الساذجة التي قد لا تفيد بشيء لأن كفة السلبيات فيها ترجح إذا ما قارنها بالإيجابيات المنتظرة، وفي كلتا الحالتين قد يعاني الأبناء من اضطرابات نفسية، وتشتت. إلا أنها في ظل العنف، والضرب المستمر ستكون أشد، وأعمق.
طبعاً هذا ليس من باب التشجيع على الطلاق ولكن من باب توعية النساء خاصة المقبلات على الزواج بأساسيات الأسرة السليمة، وحقوقهن المفترضة وأولها حق الاحترام، ورفض السماح منذ البداية للتجاوزات التي تتسم بالعنف والإهانة لأن ذلك سيشجع على المزيد منها، مع إدراك أن التنازل في هذا الأمر من أجل أمور مادية، أو مظاهر اجتماعية سيؤدي إلى مزيد من الخسارات وأولاها أن تفقد هذه الأم، وهذه الزوجة احترامها لذاتها، وقدرتها على العطاء المثمر لتكون في النهاية مجرد ضحية، وأسرتها التي بنتها.

بقلم : مها محمد
copy short url   نسخ
11/04/2017
3236