+ A
A -
شهدت الأجواء السورية فجر يوم الجمعة الماضي تحولا كبـيرا في الموقف الأميركي السلبي من إرهاب نـظام الأسد وحلفائه وظهرت أولى بوادر رد فعل أميركي مخـتلف كما يـبدو ظاهريا، لكن كل ذلك لم يكن كافيا لتبـين موقف أميركي جديد أو حتى موقف روسي مرن فما بالك بالمواقف المتعنـتة لنـظام الأسد وداعميه الذين يطلقون منذ ست سنوات شعارا إرهابـيا بامتياز «الأسد أو نحرق البلد»! ولا يجدون من يوقفهم عند حدهم في حين يشهد المجتمع الدولي حالة من السلبـية واللامبالاة لم يسبق لها مثيل رغم الفـظاعات التي تُـرتكب ضد المدنيين العزل في عموم الأراضي السورية المنكوبة!
قبل عدة سنوات قصف نـظام الأسد الغوطة الشرقية بالكيماوي وقـتل الآلاف من أطفال الغوطة فانـتـفض العالم عن بكرة أبـيه وتوقع الجميع أن يكون رد الفعل الأميركي ذلك الوقت على قدر الجريمة الإرهابـية أو نصفها، لكن السياسة خاصة السياسة الروسية نجحت في تبريد الموضوع وتم بـيع القضية مقابل سحب الأسلحة الكيماوية من مخازن نـظام الأسد تحت مراقبة أممية صارمة! كان مفعولها واضحا بظهور براميل السارين وغازات الأعصاب والكلور القاتل من جديد في مستودعات الأسد الكيماوية!!
في الأسبوع الماضي تكررت الحادثة بحذافيرها وكيماوياتها وغازاتها السامة في مدينة خان شيخون جنوب إدلب وهزت صور أطفال خان شيخون المخـتـنـقين الضمير العالمي مرة أخرى وكاد نـظام الأسد أن يخسر «الوعد الدولي بالبقاء حتى فناء السوريين»! لكن تحركت السياسة وتم تبريد الموضوع بضرب غير مبرح وفق ترتيـبات محددة لا توجع الأسد ولا تـقطع «شعرة معاوية» بين أميركا وروسيا ولا تريق ماء الوجه الأميركي البارد ثم إن هناك مآرب أخرى!
هناك ملاحظتان تخص الأولى تـقرير رد الفعل واختيار الهدف (مطار الشعيرات) أما الملاحظة الثانية فتـتعلق بأولوية السيطرة على الموقف بعد الضربة حتى لا تـخرج الأمور عن المقاربة الأميركية الروسية بخصوص الأزمة السورية وللحد من احتمالية أن تـتيح مأساة الكيماوي الجديدة دخول لاعبـين إقليميـين إلى عمق الأزمة في سوريا!
الرئيس ترامب مخـتلف عن أوباما من حيث الشخصية وحدة الأزمة الداخلية وكذلك مستوى العلاقة مع الروس قبل الانـتخابات الأميركية وبعدها لذلك كان لا بد من «رد فعل» مناسب للحدث الإرهابي الضخم الذي وقع في خان شيخون فجاء الرد مدروسا بعناية (59 صاروخ توماهوك؟ على مطار محدد بعد ضمان تـفريغه من العسكريين الروس وضمانات أخرى متـفق عليها)!
ثم إن السيطرة على الموقف بعد الضربة كانت مهمة لجميع الأطراف ذات العلاقة بالأزمة ما عدا الشعب السوري الذي وقع ضحية مقاربات سياسية شيطانية على المستوى الدولي تجعل مصير الشعب السوري في ذيل القائمة ما لم يصدر من المعارضة السورية السياسية أو العسكرية تحرك مؤثر، وما لم يصدر من أصدقاء سوريا رد فعل مناسب يتجاوز التطبـيل لترامب والتهويل من بوتين وسياسة العجز حتى عن الإدانة قبل أن تـظهر صواريخ التوماهوك فوق مطار الشعيرات!
وتـشمل السيطرة على الموقف بعد الضربة منع مجرد التـفكير في إجراءات إضافية ضد نـظام الأسد وأعوانه مثل الحظر الجوي أو إحياء فكرة المناطق الآمنة أو تـزويد المعارضة بمضادات وصواريخ تسقط الغربان الروسية والعربية التي تـفـتك بالمدنيين العزل أو تجريم الميليشيات الإيرانية التي تعيث في السوريين قـتلا وفسادا! إنها «لاءات» روسية أميركية واضحة ضد الشعب السوري يراها العدو والصديق لكن أصدقاء سوريا غلب عليهم البرود والتجاهل وطفـقوا يترقبون حلاً لن يأتي ومفاوضات عبثية في جنيف وأستانة لن تـنـتج إلا مزيدا من التسويف والقـتل!
السؤال المهم يكون دوما حول «ماذا بعد»؟ أي ماذا بعد قصف خان شيخون بالكيماوي وماذا بعد قصف مطار الشعيرات بصواريخ عابرة للقارات لكنها غير عابرة للصداقات والتـفاهمات الدولية المؤلمة؟ الجواب على «ماذا بعد؟» كشـفـته عودة الطائرات السورية والروسية للطيران من مطار الشعيرات نـفسه بعد يومين فقط تحمل القـتل والتدمير للسوريين العزل! سؤال «ماذا بعد؟» أماطت عنه اللثام قـنابل النابالم والقـنابل الفسفورية الحارقة التي أحرقت مدينة اللطامنة في ريف حماة ومدن أخرى في أرياف أخرى لتعيد إلى الذاكرة شعار شبـيحة الأسد وحلفائه الإيرانيين «الأسد أو نحرق البلد»! تحت نـظر العالم المنـتكس الذي لم يعد يملك القدرة على وقف الإرهاب الرسمي الممنهج من أعداء سوريا ضد شعب أعزل ولا وقف الترتيـبات السياسية الدنيئة التي تحرق شعبا كاملا من أجل نظام مستبد!
بقلم:د. صنهات بن بدر العتيبي
copy short url   نسخ
11/04/2017
2715