+ A
A -
التأييد الواسع الذي حظيت به الضربة الاميركية لقاعدة «الشعيرات» الجوية التابعة لنظام دمشق، واقتصار الرفض على روسيا وإيران وحلفائهما القلائل جدا، هو بمثابة استفتاء عالمي مساند لضرورة توجيه الضربة وتحقيق اهدافها السياسية على الاقل.
كانت الضربة محدودة وهدفها محصور في معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي في قتل ابناء شعبه للمرة الرابعة دون ان يُعاقَب في المرات السابقة.
ورغم ان الضربة الاميركية المباغتة قلبت الوازين والمعادلات وتحمل بذور تغيير محتمل لنتائج الصراع في الشرق الاوسط والخليج، فقد كانت بمثابة رسالة مفادها ان واشنطن لن تترك سوريا لروسيا وايران وميليشياتها الارهابية، وبأنها تخلصت تماما من استراتيجية اوباما الجبانة والمتخاذلة واستردت هيبة الولايات المتحدة التي دمرها الرئيس السابق.
ولكن محدودية الضربة - على شدتها - لم تمنع ادارة ترامب من ترك الباب مفتوحا امام تجديد عملياتها ضد النظام اذا تجاوز الخطوط الحمر التي يحددها الاميركيون. وهذا يعني ان تدمير قاعدة الشعيرات لم تكن بداية لحملة عسكرية اميركية ضد النظام.
كما ان تلك الضربة لم يكن هدفها الرئيسي اسقاط بشار وإنما ايصال رسالة جادة جدا الى روسيا وايران بأن واشنطن لن تتأخر بالرد كلما ارتكب طرف في سوريا ما تعتبره اميركا تجاوزا، مع تحميلها موسكو مسؤولية ضبط الامور ووضع الاسد عند حده والحفاظ كدولة كبرى على السلام والاستقرار في المنطقة.
لم يتردد ترامب في توجيه الاهانة الى سلفه المتخاذل، والتأكيد ان الضربة التي استخدم فيها البنتاغون ستين صاروخا زنة 1.6 طن خدمت هدف الرئيس بجعل اميركا عظيمة مرة اخرى، حسب شعاره الانتخابي.
ولا بد من التأكيد ان سياقات الضربة رمزية بالمقام الاول وتشي برغبة الادارة في التلويح بالعمل العسكري كعصا لحصد تنازلات سياسية من نظام دمشق، ودفع طهران الى التراجع عن مخططاتها العدوانية والارهابية في العالم العربي، وإقناع روسيا بعدم السماح للايرانيين بتخريب الاستقرار في الشرق الاوسط والخليج.
وعلاوة على ذلك، فإن واشنطن اعلنت من خلال الضربة انها عادت لاعبا اساسيا في المنطقة، بعد ان حظي ترامب باحترام شعبه لاستعادته سمعة الولايات المتحدة التي عبث بها اوباما بصورة مستفزة لمشاعر الناس في الولايات المتحدة.
لقد ابتلعت روسيا ما تعتقد انه تحرش اميركي بمناطق نفوذها، ودافعت عن «سيادة» سوريا، المنقوصة اصلا بوجودها كمستعمر يتغطى بمزاعم اخذ الإذن من رئيس الدولة التي ما عادت دولة.
غير ان الدرس الذي تعلمه بشار يندرج في اطار «من أمن العقاب أساء الأدب»، وذلك عندما احس الآن بالتأكيد بأن عليه ان يخرج من وهم المناعة التي يشكلها الوجود الروسي والفيتو الذي تتمتع به موسكو.
ملخص الموقف ان ترامب تخلص من قمامة اوباما التي اضرت بأميركا وبالعالم العربي كله وأفادت روسيا وايران والقلة التي تساندهما، كما اقنعت واشنطن كلا من موسكو وطهران بأن هناك من يراقب، ومن هو مستعد للتحرك خارج اطار الامم المتحدة الضعيفة، ويعاقب او يؤدب عند اللزوم مع الاحتفاظ «بحق» التصرف منفردا في أي وقت يشاء.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
09/04/2017
1069