+ A
A -
ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لكن قضية «جبل طارق» ستفرض عليها محادثات متصلة مع 27 دولة أوروبية. هكذا تحول جبل طارق إلى نقطة نزاع في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد.
كان سكان جبل طارق يأملون بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي عقب الاستفتاء الذي نظم في يونيو من العام الماضي. في ذلك الاستفتاء صوت سكان جبل طارق بأغلبية ساحقة على البقاء داخل الاتحاد، لكن النتيجة لم تكن كما يشتهي سكان «الجيب البريطاني».
قفز موضوع جبل طارق على ما عداه من مواضيع في مفاوضات لندن مع الأوروبيين، بعد أن قدمت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي طلباً رسمياً للخروج من الاتحاد في 29 مارس الماضي.
هكذا فجرت قطعة من الأرض مساحتها أقل من سبعة كيلومترات أزمة لم تكن في الحسبان، إلى حد أن صحفيين كانوا على متن طائرة ماي قبل أيام، لم يجدوا سؤالاً يستحق أن يطرح سوى سؤال مفاده «هل ستقع حرب بسبب جبل طارق بين بريطانيا وإسبانيا». بيد أن تيريزا ماي أطلقت ضحكة وقالت «نتحدث معهم (الأوروبيين) عن أفضل صفقة ممكنة لنا ولبلدانهم، بما في ذلك إسبانيا. بالتأكيد سيتم الأمر من خلال المحادثات».
وعلى الرغم من ضحكة ماي ولغة التهدئة فإن العلاقات البريطانية الإسبانية بلغت حداً من التراشق أن وصل أن شخصية بريطانية وازنة دعت إلى الاستعداد للحرب مع إسبانيا. إذ قال مايكل هاوارد زعيم حزب المحافظين السابق إن ماي مستعدة لخوض حرب للدفاع عن سيادة بريطانيا مثلما فعلت مارغريت تاتشر مع الأرجنتين دفاعا عن جزر فوكلاند (المالوين) قبل 35 سنة.
متحدث باسم ماي قال إن ما يعنيه هاوارد «عزمنا حماية حقوق جبل طارق وسيادته». وبشأن إرسال قوة بحرية إلى جبل طارق كما فعلت بريطانيا مع فوكلاند قال «ذلك لن يحدث».
هذا التوتر أثار اهتماماً وقلقاً في المغرب العربي. إذ إن تدهور الأمور لتصل إلى نسخة ثانية من حرب فوكلاند في جنوب أوروبا سيجعل دول المنطقة في «مرمى نيران».
لم يبق للعرب وجود في المنطقة سوى اسم «طارق» الذي سميت الصخرة باسمه ويؤشر على تاريخ طويل من علاقات متوعكة بين جانبي المتوسط، لكن الثابت أن جبل طارق ظل ورقة يضغط بها المغرب على جارته إسبانيا، وتتابع الرباط التوتر الحالي بين لندن ومدريد عن كثب لأن تصاعده يعني الكثير للمغرب الذي تفصله عن جبل طارق 20 دقيقة طيران.
أعادت الأزمة الحالية بين بريطانيا وإسبانيا إلى الذاكرة أجواء أزمة أخرى في أواخر الستينيات، عندما نظم استفتاء لسكان الصخرة في عام 1969. كانت النتيجة لصالح بقاء جبل طارق تحت السيادة البريطانية، فأغلق الجنرال فرانسيسكو فرانكو رجل مدريد القوي أيامئذٍ الحدود مع جبل طارق.
كان غرضه «خنق» جبل طارق اقتصادياً، وهب المغرب لنجدة سكان الصخرة، حيث عوض العمال المغاربة الإسبان في أحواض بناء السفن، ثم راح يزود المنطقة بكل شيء من المواد الغذائية وحتى المياه العذبة.
الاعتقاد السائد الآن أن الأمور يمكن أن تدفع إسبانيا لإغلاق حدودها مجدداً مع «الجيب البريطاني» بعد أن كانت فتحتها في فبراير 1982.
بدأت الأزمة الحالية عندما منح دونالد توسك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي لإسبانيا حق الاعتراض على العلاقات المستقبلية بين جبل طارق والاتحاد بعد خروج بريطانيا، بحيث يمكن أن تطالب مدريد بقطع جميع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي مع جبل طارق، الذي كانت إسبانيا سلمته بريطانيا طبقاً لاتفاقية «أوترشيت» عام 1713. لكن إسبانيا ظلت تعتبر هذا الجيب جزءا من أراضيها. وصف فابيان بيكاردو رئيس وزراء جبل طارق حق النقض هذا قائلاً «توسك الذي اعتاد على تشبيه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالطلاق، يتصرف مثل زوج مغدور به يصب غضبه على الأطفال».
المرجح أن احتمال نشوب حرب بشأن جبل طارق مستبعد، لكن التوتر سيستمر، وانعكاسات ذلك على المغرب العربي مرجحة.
بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
08/04/2017
3192