+ A
A -
في الوقت الذي تعكف فيه بريطانيا على تجميع أوراقها تنفيذاً لقرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي عملاً بنتائج الاستفتاء العام، تستعد فرنسا لإجراء انتخابات رئاسية، وتستعد ألمانيا لإجراء انتخابات برلمانية، في الربيع المقبل.

تصوروا، لو ان الانتخابات الفرنسية أسفرت عن فوز مرشحة اليمين مارين لوبن بالرئاسة.. ولو ان الانتخابات الألمانية أسفرت عن فشل الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تترأسه أنجيلا ميركل في الاحتفاظ بالأكثرية داخل البونديستاغ ( البرلمان)، على خلفية معارضة سياستها تجاه المهجرين.. ماذا يحل بالاتحاد الأوروبي؟
ثم تصوروا بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.. ماذا يحلّ بالعلاقات الأميركية- الأوروبية؟ وأي مصير ينتظر حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ذاته؟ وأي علاقات سوف تقوم بين الثلاثي: روسيا، أوروبا والولايات المتحدة؟.
تلعب فرنسا دوراً محورياً في المتغيرات المقبلة. فهي دولة أوروبية، وهي دولة أطلسية، كما انها دولة متوسطية (تقع على البحر المتوسط). وانتقال السلطة في فرنسا إلى اليمين المتطرف يعني تغييراً جوهرياً على المحاور الثلاثة: فعلى المحور الأوروبي يطالب اليمين بإجراء استفتاء للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، على غرار الاستفاء الذي جرى في بريطانيا.
وعلى المحور المتوسطي يطالب اليمين بتحديد هوية وطنية لفرنسا رافضة للإسلام.
أما على المحور الأطلسي فان اليمين الفرنسي يرفع شعار التحرر من حلف شمال الأطلسي، واعتماد سياسة قومية فرنسية دفاعية مستقلة.
توجه هذه السياسة القومية الجديدة طعناً لألمانيا وللتعاون الألماني– الفرنسي الذي يشكل النواة الأساس للاتحاد الأوروبي، والذي من دون هذه النواة يصبح (الاتحاد) مجرد هلام لا هيكل له.
كذلك فان هذه السياسة تدير ظهرها لجنوب البحر المتوسط، وربما يؤدي ذلك إلى تفجر العلاقات مع دول شمال افريقيا على خلفية الموقف السلبي الرافض للمسلمين الذين يتحدرون من أصول مغاربية، المغرب– الجزائر– تونس أي الدول التي استعمرتها فرنسا طويلاً واستثمرت خيراتها وسواعد رجالها في حروبها في الهند الصينية– فيتنام، كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ولا شك في ان الهدية الكبرى هي التي تحصل عليها روسيا من خلال انحلال عقد حلف شمال الأطلسي. وهو اسوأ سيناريو يمكن تصوره لمرحلة سيطرة اليمين على الحكم في فرنسا. وهو في الوقت ذاته أفضل هدية مجانية تقدم للكرملين ولسيده الحالي فلاديمير بوتين.
غير ان اليمين الفرنسي لا يستطيع ان يذهب إلى هذا المدى من التحول منفرداً. فهو بحاجة إلى أن تواكبه سيطرة اليمين في ألمانيا ايضاً على مقاليد السلطة.
تختلف هوية ألمانيا عن هوية فرنسا. فألمانيا – وخلافاً لفرنسا- محكومة بموقعها الجغرافي بين الشرق والغرب. وهذا الموقع هو الذي صنع تاريخها القديم والحديث. ولم يحسم أمر الصراع بين الشرق والغرب حتى بعد الهزيمة الألمانية العسكرية الكبرى في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، فكانت ألمانيا الشرقية وعاصمتها برلين، وكانت المانيا الغربية وعاصمتها بون برئاسة كونراد اديناور. ومنذ عشر سنوات، سقط الجدار الفاصل، وتوحدت المانيا من جديد تحت مظلة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
غير ان احتمال وصول اليمين إلى السلطة مستفيداً من رد الفعل الشعبي المستاء من سياسة استيعاب المهاجرين قد يقلب الصورة الألمانية رأساً على عقب.
فالرئيس الأسبق اديناور كان يعتبر ان الوحدة مع أوروبا تتقدم حتى على الوحدة بين شطري ألمانيا. ولذلك عندما سقط جدار برلين وبدأت المخاوف الأوروبية تتعاظم من تنامي قوة ألمانيا بعد الوحدة بشرياً واقتصادياً، بادرت الحكومات المتعاقبة، وأهمها حكومة ميركل، إلى تبديد هذه المخاوف من خلال الانغماس أكثر في الوحدة الأوروبية. أما الآن فاذا سقطت هذه الوحدة، أو حتى اذا اهتزت أو تراجعت، فان المخاوف الأوروبية سوف تنطلق من جديد. وفي العلاقات الدولية، فان الأزمات الكبرى تبدأ من مخاوف صغيرة.. أو من تفسيرات خاطئة لتموضعات عابرة.
ان بريطانيا تتجه بحكم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي نحو العزلة.. والولايات المتحدة معرضة بعد نجاح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض، إلى عزلة مماثلة.. وبين العزلتين المحتملتين، تواجه أوروبا تفككاً في وحدتها.. وانعزالات بين مكوناتها وعناصرها القومية المختلفة.
لا شك في أن الكرملين يراقب كل ذلك بفرح وارتياح.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
06/04/2017
2821