+ A
A -
ويَطْرُدُنِي من جَنَّتِه!
كم مرة اعتذَرْتُ لقَلمي ووَرقتي رافضةً أن أكتُبَ عن تجربتي؟!
لكنه أوان البَوْح. خسرتُ كلَّ شيء ولم يَبْقَ لي مَن أن أَكْشف له أوراقي حتى لا أُجَنّ أو أَضَعَ حَدّاً لحياتي.
يَتِمُّ ذبحي من الوريد إلى الوريد، لا أَجِدُ كيف أُصَبِّرُ نَفْسي بعد أن تُرِكْتُ وهُجِرْتُ وسَقَطْتُ من عَرَبَةِ الحياة.
قنبلة أنا! قنبلة تُسَمَّى المرأة المطلَّقة!
الكلُّ يَخْشى أن أقتربَ منهُ حتى لا أنفجر في وجهه.. وأعاقَبُ لذنبٍ لم أقترفْهُ.
في غياب مَن يتضامن معي، لا أجد سوى دموعي تُقَوِّيني وتُوَاسيني.
لستُ أبكي لِأَفكَّ قيدَ دموعي السجينة، لكنني أبكي لِيَسْكُتَ قلبي قليلا.
طرقْتُ أبوابَ قلوبِ مَن كانوا يَضحكون في وجهي. لا جدوى، كل الأبواب موصدَة، أبواب الرحمة موصَدة، ونَسيتُ لجهلي وقِلَّةِ حِكمتي أن أَطْرقَ بابَ الله..
الرفيقاتُ اللواتي كُنَّ بالأمس صديقاتي، لا أجدُ اليومَ واحِدة منهن. تقول الأولى: زوجي يمنعني عنكِ. تقول الثانية: مشغولة. تقول الثالثة: ألهاني الأولاد. وتقول الرابعة: شَغَلَتْنِي صَلاتي..
يا الله! بالأمس عندما كنتن تَعْبدْنَ الشيطانَ كنتُ أفتح لكن بابي وَسُيوفُ ألسنتكن تُمَزِّقُ لَحْمَ هذه وتلك، واليومَ تُسْقِطنني من حساباتكن وأنتن تَعْبدْنَ اللهَ؟!..
سريري أَرِقٌ، وتفكيري قَلِقٌ..
شِراعي نأى بي عن شواطئ الراحة والطمأنينة..
يا لإحساسي بالغربة وأنا أعود إلى الحياة!
نَزْف كبريائي لا مناديل تَكفي للملمة دِمائه..
كُلُّ شيءٍ فَقَدَ معناه.. كل شيء يَنْقصه السُّكَّر..
نهاري غُربة، وليلتي دموع..
الطلاق مصيبة، لكن ما يُبكيني أنني أصبحتُ مرفوضة..
كيف أواجه الآخَرين وأنا لا أقوى على مواجهة نفسي في المرآة؟!
كيف أُثْبِتُ لهم براءتي من خطيئةٍ تَوَهَّمُوها وعَلَّقُوني على عَمودها؟!
الطلاق حَرب، حَرب مع نفسي قبل أن تَكون حربا مع الآخرين.
هل أخذ الرجُلُ رأيي قبل أن يَطردني من جنته؟!
ويلي! يَلْفظني كما تُلْفَظُ النواة، وأنا من كان يُسميني زهرةَ الحياة!
خانتني مُفْرَدَاتي، ولا أَجِدُ التعبيرَ الذي يُغَطِّي ما خَلَّفَتْهُ مُعاناةُ المطلقات من خسائر..
كيف أنظر إلى هؤلاء وأولئك؟! عيونهم رصاص يَقتلني، وألسنتهم خناجر تَذبحني..
حتى لو جَرَّبْتُ الكتابةَ بكُلّ لغات الأرض فإنكم لن تُحِسوا بِعُمق ما أُحِسُّ به..
لا تَحْكُموا عَلَيَّ، لكن جَرِّبُوا أن تَفْهَمُوني.
(..)
نقلتُ لكم أقلَّ ما يُذْكَرُ من إحساسٍ قد تَشعر به امرأة مطلَّقَة. ذاك ما يَحْدث في كل نقطة على الأرض وكأن مع كل دَقَّةِ قلبٍ تتزوج واحدة وتُطَلَّقُ ثلاث.
تلك تجربة أخرى من تجارب العودة إلى الحياة بعد مرحلةٍ عصيبة تسمى الطلاق. الطلاق مثل الموت، يُهَدِّدُ بِسَلْبِ الحياة، وتَجَاوُزه نجاةٌ وعودة إلى الحياة.
نَافِذَةُ الرُّوح:
«رصاصةُ الرجُلِ تَقتلُ الأملَ في قلبِ المرأة».
«ما معنى أن أكون حُرَّةً وحولي قضبان سِجنٍ كبير يُسَمَّى نظرات الناس؟!».
«ضَعْ لسانَك في فَمِكَ فَقَدْ جَرَحَني بما يَكْفي».
«عَيناكَ فُوَّهَتَا بُندقية، وفَمُكَ حَبلُ مشنقةٍ».
«التمردُ على رَجُلٍ معناه في انتظارِكِ حفّار قُبورٍ يُسَمَّى المجتمع».
«بَيْنَ العانس والْمُعَلَّقَة والْمُطَلَّقة أين تَجِدِينَ نَفْسَكِ؟!».
«بِقَدْر ما نُجِيدُ الصَّمْتَ لا نَجِدُ الكَلامَ».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
06/04/2017
4658