+ A
A -
- 1 -
أزمة السياسة السودانية الكُبرى، هي كثرة الانقسامات وانشقاق الأحزاب والحركات..
الداء قديم، منذ تأسيس الدولة السودانية الحديثة، وأوعية التنظيمات لا تحتمل الاختلافات، وتباين وجهات النظر، فكل خلافٍ قابلٌ لأن يتحوَّل إلى خصامٍ ونزاعٍ وصراعٍ يُفضي إلى انقسام.
قبل سنوات، خرجت مجلة (الخرطوم الجديدة) بعنوانٍ مُثيرٍ على غلافها: (صراع على حافة القبر).
الصراع المُشار إليه نشب داخل جماعة أنصار السنة المحمدية، وهو صراعٌ بين زعيمَين كبيرَين، تجاوزا الثمانين من العمر، ولم يمنعهما ذلك من الصراع على المقاعد!
الشيخ الهدية والشيخ أبوزيد، جمعت بينهما علاقةٌ وصِلاتٌ تجاوزت نصف القرن، انتهت إلى خلافٍ وصراع، قسَّم جماعتهما التاريخية إلى قسمَين.
-2-
الانقساماتُ والانشقاقات لم تسلم منها حتى الفرق الفنية والمسرحية والطرق الصوفية والشركات التجارية في السودان.
حركاتُ دارفور الحاملةُ للسلاح ضدَّ حكومة الخرطوم، بدأت بحركتين، ولكن مع الأيام وتوالي الصراعات وكثرة المبادرات، أصبحت الحركات تكويناتٍ وجماعاتٍ صغيرة متناسلة، لا تُحصى ولا تُعَد.
أزمةُ دارفور فتحت باباً واسعاً للاستثمار ولبزنس الحرب؛ فهناك جهات عدَّة دولية ومحلية، تتعاظم مصالحُها في استمرار أوضاع عدم الاستقرار وبقاء الإقليم في منزلةٍ بين المنزلتَين: الحرب والسلم.
سياسيُّون يبحثون عن المناصب، وما يترتَّب عليها من مكاسب مالية ومعنوية.
عسكريُّون يجدون في هذه الحالة المُلتبسة، وضعاً صالحاً للسَّلب والنهب وبيع الولاءات..
مُنظَّماتٌ تستفيد من الحالة في جمع التبرعات واستدامة الدعم.
مُثقَّفون وأنصافُ مُتعلِّمين تُصبح عندهم دارفور بطاقةً رابحةً في نوافذ اللجوء السياسي وبرامج إعادة التوطين بالدُّول الغربية.
-3-
الآن تشهد الحركة الشعبية- قطاع الشمال، وهي امتدادٌ للحركة الأم التي انفصلت بجنوب السودان عن الوطن الأب نُذُر انقسامٍ جديد..
الحركةُ الشعبيةُ- قطاع الشمال، ظلَّت تنظيماً مُغلقاً شديد السِّريَّة والتكتُّم تُدار شؤونه الداخلية العسكرية والسياسية بدرجةٍ عاليةٍ من الانضباط، ربما مصدرُ ذلك التجانس بين القيادة والتربية الأيديولوجية.
الآن انتهى ذلك التجانس، وخرجت النزاعاتُ والصراعاتُ المكتومة إلى العلن، حينما كتب القياديُّ العسكريُّ عبدالعزيز الحلو الرَّجلُ الثالث في قيادة الحركة استقالةً داويةً جاء فيها:
(لا أستطيع العمل مع رئيس الحركة وأمينها العام كـ(تيم واحد)، لانعدام المصداقية لديهما، وتآكل عنصر الثقة بيننا.. وأن هناك أشياء غامضة ولا أفهم كُلَّ دوافعها).
-4-
انعدامُ المصداقية وتآكل عنصر الثقة هي مرحلة ما قبل الانتقال للمواجهة والعداء..
هكذا هي تجارب التاريخ تُخبرنا بذلك، وتُعيد ذات الدروس.
أكثر ما لفت النظر في نصِّ الاستقالة المُطوَّلة التي تُقدِّم بها عبدالعزيز آدم الحلو، أنها قدَّمتْ معلوماتٍ مُهمَّةً ومُثيرةً تكشف البنيَة الداخلية للحركة الشعبية قطاع الشمال.
التكوينات وطريقة التفكير وكيفية تشكُّل الرأي العام الداخلي، ومن هم المتشددون؟ ومن هم المعتدلون؟ وعلى أي المواضيع والقضايا تتم المُزايدات؟ وما القوة الرئيسة المُتحكِّمة في القيادة؟
-5-
المفاجئ لكثيرين في تلك الاستقالة التي قدمها الحلو، اكتشاف أن (عقار وعرمان) المتهمَين بالتطرف هما أكثر اعتدالاً في المواقف السياسية والعسكرية، وأقرب للسلام من مجموعة أخرى تبدو ذات ميولٍ انفصالية مُتشدِّدة، عبدالعزيز الحلو أحد أصواتها البارزة التي تدعو لحقِّ تقرير المصير للمنطقتَيْن.
تقريرُ المصير (كرت) محروق في داخل السودان، وبضاعة ليس لها سوقٌ في الخارج، ما حدث في دولة الجنوب المنقسمة عن السودان من مآسٍ وحروبٍ كارثيةٍ يكفي!
-أخيراً-
من وقائع ما حدث:
تكون الحركة الشعبية قطاع الشمال قد وضعت نفسَها في مسار مُغلق، يُديم المأساة ولا يصل إلى حلول ونتائج.
مسار لن يحقق سلاماً عبر التفاوض ولا انتصاراً عبر الحرب.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
02/04/2017
3123