+ A
A -
كل ما تقدم من تحليل في الحلقتين السابقتين، نقول إن قمة البحر الميت ستعتبر الأهم في تاريخ الأمة العربية المعاصر. وما يعزينا في هذه المنطقة من العالم أن الخطوط تشابكت والجهود تكاتفت بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، وهو ما يضاعف أهمية القمة الثامنة والعشرين.
جميع هذه الأطراف تريد أن تشارك في رسم خريطة مستقبلية خالية من داعش والقاعدة وبقية التنظيمات الإرهابية، والمرجح أن المشورة المخلصة والمعلومات المهمة التي قدمها العرب والمسلمون لشركائهم في أميركا وأوروبا وروسيا والصين وغيرها، ستسفر في أسرع وقت، عن خطة اجتثاث أكثر فعالية وتتجاوز حدود الغارات الجوية والغزوات البرية، لتشمل مواجهة اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية.
الفهم الخاطئ للزمور والذي أنتج تبعات مربكة مثل قانون «جاستا» الأميركي الذي يعاقب السعودية على إرهاب بن لادن رغم ثبوت براءة الرياض التامة، اندثر الآن بعد قمة البحر الميت.
غير أن المهم عند اندلاع الجدل المستقبلي بشأن ما أنجزته قمة البحر الميت، أن الذين جلسوا في القمة أو أحاطوا بردهاتها وعلموا بتفاصيل تطوراتها، هو أن العالم سيجد نفسه مضطراً ليس فقط للتعاون مع دول مثل السعودية كشركاء لا خصوم في محاربة الإرهاب، ومع دول مثل إيران كخصوم وأعداء وليس أبداً كشركاء.
هذه الحقيقة المهمة ترسخت منذ اللحظة التي اعتبر فيها قادة العرب في قمة البحر الميت، إيران دولة معتدية تتدخل في شؤون الدول العربية. ولاحظت أوساط القمة، انتشار شعور غاضب بالاستياء من إعلان طهران قبل أيام «السيادة الأبدية» على جزر الإمارات الثلاث المحتلة، وهي خطوة في منتهى العدوانية والاستفزاز.
وإذا كان العرب الذين نجحوا ولو جزئياً في لملمة أنفسهم في هذه القمة قد عزلوا إيران سياسياً داخل الإقليم وخارجه فإن عزلها كجار جغرافي أمر مستحيل، يتطلب في الواقع بذل جهود من قبل كافة اللاعبين والمهتمين، لتطبيع العلاقات بين الطوائف والمذاهب والأعراق المتقاتلة في الشرق الأوسط والخليج، بحيث يلتزم كل طرف حدوده.
الحرج الذي أصاب إيران كبير جداً، خاصة على ضوء مرارة شعبية مكبوتة رافضة لمغامرة الملالي الذين أصروا على زعزعة استقرار الخليج العربي، وسوريا والعراق واليمن بنية التوسع. غير أن الأسابيع والشهور المقبلة ستشهد على الأغلب مبادرات لتنفيس الأجواء الضاغطة، وهي مبادرات بدأتها إيران ذاتها عندما زار الرئيس روحاني موسكو فجأة قبل أيام مستنجداً بها لتخليص بلاده من ضغوط أميركية خانقة، ذات طبيعة سياسية وعسكرية.
إسرائيل من جانبها تواجه مأزقاً مشابهاً، تحقق من خلال تعمق الغضب الدولي تجاهها، وسقوط روايتها التاريخية والجغرافية إلى الحد الذي منع حليفها دونالد ترامب من الاستجابة للكثير من مطالبها المحرجة .. والأهم وصولها إلى حالة عجز عن توفير حل خارج إطار دولة «الأبارتيد»، مما سيدفعها شاءت أم أبت إلى حل الدولة الواحدة.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
30/03/2017
1547