+ A
A -
يَسِيحٌ قَلْبُكَ على نار الإحساس مثل قطعة زبدة لو جَعَلَتْكَ الأيامُ شاهدا على موقف تهتزّ له المشاعر وأنتَ تُعايِنُ مَشهَدَ طفلٍ كُتِبَتْ له حياةٌ بصرية جديدة بعد عهد من الدرجة الصِّفْر للنظر..
إنه إطارُ صورةٍ بَطَلُها إنسان محروم من نِعمة البصر كغيره من البشر، وتَأتي القُدرةُ الإلهية ليستعيد الرؤيةَ، فإذا به يَتَحَسَّسُ الأشياءَ حوله بذهول ويَكاد يَصرخ فَرَحا وأصابعه تُلامِس الأشياءَ حقيقةً لا افتراضا.
مَوْقِف كهذا قليل عليك أن تَسجد فيه لمولاك وتُسَبِّح بحمده وتَشكره على النِّعم الكثيرة التي وَضَعَها بين يديك ورَهْنَ إشارتِك وهو يقول لَكَ بلسان العطاء: «خُذْ يا عَبْدِي».
العدسات الطبية اللاصقة لضعاف البصر.. الأطراف الصناعية لمن ترَكوا أطرافَهم في جحيم الحروب.. زراعة القلب، زراعة الكُلى (جمع كُلية)... كل هذا وتَكْفُرُ بالنعمة يا أنتَ؟!
وفي عصرنا سَادَت عمليات تصحيح النظر للاستغناء كليا عن النظارات الطبية.. زراعة الأسنان كبديل لطقم الأسنان لمن سقطَتْ أسنانهم تباعا.. زراعة الشَّعر لمن فَقَدَتْ شَعْرَها في غزوةٍ من غزوات الزمن..
نُقَدِّمُ الكثيرَ من التنازلات لِنُثَمِّنَ مَنْ يَبيعُنا بأرخص ثَمَن وما أعطانا شيئا من شيء، ولا نُوَفّي اللهَ حقَّ الشكر وقد أعطانا كُلَّ شيء.. نتعلق بِذَيْلِ الوَهم ونَسكب من الدموع ما يَمْلأ البحرَ رَكْضاً خَلْفَ حَجَر يُسَمَّى قلبَ إنسان يَتخلى عنا في لحظاتٍ حَرِجة كأنَّ ما كان بيننا لم يَكُنْ، بينما لا نُجَرِّبُ أن نُسْقِطَ دمعتَيْن خاشِعِينَ ساجِدِينَ للهِ والناسُ نِيام طَمَعا في القلب الكبير ربّنا الْمُعِزّ الْمُنْصِف الذي لم يَتَخَلَّ عنا يوما..
ماذا أعطينا لله وقد أعطانا كُلَّ النِّعَمِ بما فيها من كرامةٍ وعِزَّةٍ وإيمان وعقلٍ وجَمالٍ وضِياءِ مُحَيَّا ونورِ بصرٍ وصفاء بصيرةٍ؟!
بِأيّ مُكافَأَة تُكافِئُ القلوبُ مَن يستحقُّ ومِن القلوب حَرِير وطُوب؟!
مِن السهل أن تَأْخُذَ، لكن من الصعب أن تُعطي. مِن السهل أن تَجرحَ، لكن من الصعب أن تُداوي. من السهل أن تُفَجِّرَ ماءَ العين شلالا، لكن من الصعب أن تُجَفِّفَ نهراً يَعْبر الخَدَّ. من السهل أن تُميتَ المشاعر، لكن من الصعب أن تُحيي مُضغَةً يَكُونُها القلبُ وقلبُكَ بَحْرُ الإحساس الميِّت.
النص الغائب في حياتكَ هو العرفان بالجميل. فالشكر كلمة سقطَتْ من القاموس لَمّا أهمَلَها الإنسانُ المتكبر. نِعَم الله لا تُحْصى، وأنتَ تَكْفُرُ بالنعمة، وتَنسى، تَنسى عطايا الله جلّ جلاله، وتَنسى أنك بدورك سَتُنْسَى.
«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» (سورة سبأ، من الآية: 13)، هذا الشاهد من كتاب الله. أمّا العِبرة، فأن تَحمد الله وتَشكره على النعمة. إن لم تَشكر مولاكَ على النعمة فإنك لن تُفْلِحَ في استعادتها إن وَجَدْتَها تَزُول.
نَافِذَةُ الرُّوح:
«أسوأ درجات الخيانة أن تَخونَ نفسَك».
«أقذر أشكال البيع أن تَبيعَ نفسَك للشيطان».
«أقسى أنواع الجحود أن تَعضّ اليدَ التي تُذَكِّرُك بِلَمَسَات أُمِّكَ الدافئة».
«أبشع صور النكران أن تَصْفِقَ (دون اعتذار) البابَ الذي تَسَلَّلَ إليك منه الضوءُ في عزّ العتمة».
«أجمل أصوات الحُبّ صوتُ القلوب الذاكرة لله».
«أنبل الدموع عَبَرَات تُوازي تلاوةً خاشعةً لكتاب الله».
«أعظم عَرابِين الصَّفْح أن تُفَوِّضَ أَمْرَك لله».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
30/03/2017
4721