+ A
A -


القول: أمَرَ مبكياتك لا أمر مضحكاتك!
القائل: أعرابيٌّ مجهول
أما القصة: يُحكى أن أعرابيًا ماتت زوجته، وتركت له بنتًا، فقرر ألا يتزوج مخافة أن يُحضر للبنت خالة ينالها منها ظلم وضيم، وكان للبنت عمّات وخالات تزورهن، فإذا زارتْ خالاتها أضحكنها وألهينها، وإذا زارت عماتها أدبنها وأخذن عليها، فقالت يومًا لأبيها: إن خالاتي يضحكنني، وإن عماتي يُبكينني، فلما استوضح منها الأمر...
قال: أمَر مبكياتك لا أمر مضحكاتك!
وأمر منصوب على فعل الأمر المحذوف: إلزمي
فيصبح الكلام دون حذف: إلزمي أمر مبكياتك ودعي أمر مضحكاتك!
الدرس الأول:
كانت جدتي رحمها الله تقول: «من أضحكك ضحك عليك ومن بكّاك بكّى عليك» ولعل هذه ترجمة عامية للمثل الفصيح، ومن أقوالها في الأمثال: المثل نبيّ! وهذا من أبلغ أنواع التشبيه، حذف منه الأداة ووجه الشبه، ووجه الشبه هنا مفهوم من السياق وهو الصدق، ويصبح القول بلا حذف: المثل صادق كنبيَّ!
الدلال الزائد مفسدة، انظر للشجر الذي يُسقى ماءً كثيرًا يهيج ويكبر بسرعة، ولكنه هشّ في داخله، قلما يُستفاد منه، وانظر لشجر الجبال لا يحصل على غير ما تسقيه السماء، فإذا هو متين صلب، تُصنع منه السفن، ويوضع في النار فيدفئ الناس الساعات الطوال، والأولاد كذلك، أحيانًا من فرط الحب ينسى الأهل أن الأولاد يجب أن يسمعوا كلمة لا، وينسون أننا نعدُّ أولادنا للحياة، وأننا لن نكون بجانبهم دومًا، وفرق شاسع بين أن نمشي بهم الطريق وبين أن نساعدهم قليلاً ليشقوا طريقهم، منع الأولاد أحيانًا من أشياء أنفع لهم من إعطائهم إياها، وليس في الأمر بخل، وحثهم على أشياء بخلاف هواهم يكون فيها صلاحهم، ألا ترى أنك تحاول جاهدًا أن تعطي ابنك الدواء المر رغم أنه لا يستسيغه، ولكنك تفعل لأنك تعلم أن فيه شفاءه، النار هي التي تصقل الحديد، بينما الماء يجرّ عليه الصدأ!
الدرس الثاني:
اختصم زوج وزوجته إلى القاضي في ولد لهما كل منهما يريد حضانته، فخيَّر القاضي الصبي بين أمه وأبيه، فاختار أباه، فسأله القاضي: لِمَ اخترتَ أباك؟
فقال: أمي تجبرني أن أذهب للمدرسة، وأبي يسمح لي أن ألعب في الطريق!
فحكم به للأم!
ليس كلّ ما يحب الأولاد فيه صلاحهم! وليس كل ما يكرهون فيه إتلافهم، حتى نحن الكبار لو تأملنا في حياتنا لاكتشفنا أن أجمل ما حدث لنا كان نتيجة مواقف ما انصعنا فيها لأهوائنا، وأسوأ ما حدث لنا كان نتيجة مواقف تركنا فيها النفس على هواها، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري: السلام عليكَ، أما بعد، فإذا وصلك كتابي هذا فعظني وأوجز، والسّلام! فكتب إليه الحسن: وعليكَ السلام، وصل كتابك، فاعص هواك والسلام!
الدرس الثالث:
كما في الدنيا كذلك في الدين، من خوّفك حتى تبلغ مأمنك، خير لك ممن أمّنك حتى تلقى ما تخاف! الطريق إلى الجنة شائك ووعر لأن الجنة حفّت بالمكاره، والطريق إلى النار يسير ومعبد، لأن النار حُفّت بالشهوات، والنفس فرس جامح والإنسان فارس، فمن ترك فرسه على سجيتها أوردته المهالك، ومن ألجمها بلغ بها المراد، وكل وجهة إلى غير الجنة وجهة خاطئة، وتذكر دومًا لذة الذنب تذهب ويبقى أثرها، ومشقة الطاعة تذهب ويبقى أجرها.
الدرس الرابع:
بين الحزم والقسوة شعرة لا يدركها إلا القليل، وبين اللين والضعف شعرة لا يدركها إلا القليل أيضًا! فكن حازمًا دون قسوة، لينًا من غير ضعف، نريد أن نربي أولادنا لا أن نكسرهم، فقتل الأرواح لا يقل وحشية عن قتل الأجساد، وشر الناس من استخدم سوطه في موضع كان بإمكانه أن يستخدم فيه لسانه.
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
25/03/2017
13588