+ A
A -
تتضح يوماً بعد يوم أزمة الخطر الوجودي الذي يتهدد إسرائيل ويتصاعد بصورة قد لا يتنبه إليها الكثيرون، خصوصاً مع انهيار الاعتقاد السائد منذ اندلاع «الربيع العربي» عام «2011» بأن فرصة اليهود التاريخية قد أزفت، وهو ما حفز اليمين المتطرف بقيادة نتانياهو على بدء مرحلة الاستيلاء على فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.
ولعل استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «ميدغام» الإسرائيلية لصالح وزارة التربية والجيش، قد أثبت صحة ذلك الخطر الوجودي. فالنتيجة الصادمة لذلك الاستطلاع تفيد بأن ثلث اليهود المقيمين في فلسطين تقريباً يرغبون في الهجرة لو تمكنوا من ذلك.
وإذْ أرجع محللون هذا الرقم المرعب إلى جملة أسباب اقتصادية وسياسية وغيرها، فإن السبب الأهم هو المخاوف الأمنية التي تعصف بالمنطقة، علماً بأن نسبة الراغبين في الهجرة وصلت في أوقات سابقة إلى الثلثين جراء الانتفاضات والحروب.
ويعتقد مدير مشروع الاستطلاع «أوري كوهين» بأن ما ورد فيه من أرقام، يعني أن الكثير من الإسرائيليين لا يشعرون بالمواطنة أو الانتماء، وهو أمر مقلق جداً ويحتاج إلى معالجة. ويرى محللون صحفيون في أكبر الجرائد الإسرائيلية أن استطلاع «ميدغام» يمثل أزمة هوية وأزمة ارتباط بالدولة، وهو ما يحدث شرخاً وانقساماً خطيرين.
ويقولون في هذا الإطار إن الدولة نجحت فقط في استقدام ثلاثة ملايين مستوطن من أصل «14» مليون يهودي في العالم، كما يشككون في صحة أرقام رسمية تقول إن نسبة الهجرة المعاكسة سنوياً تساوي «11» ألف شخص، معبرين عن الاعتقاد بأن السلطات تخفي الرقم الحقيقي.
وجاءت ضربة أخرى صادمة ولا تقل عن صدمة الاستطلاع المذكور، وذلك عندما قال الرئيس السابق لجهاز الموساد «تامير باردو» إن الحكومات الإسرائيلية كلها منذ عام «1967» وحتى الآن دفنت رؤوسها في الرمال واعتقدت أن العرب سيختفون ذات يوم، أو تتحقق معجزة سحرية ما.
لكن العرب لم يختفوا بل تكاثروا، والمعجزة لم تأت بأي حل، والحقائق الديمغرافية تقود حسب اعتقاد باردو إلى دولة ثنائية القومية ستعني خراب إسرائيل في النهاية.
كنتُ منذ ظهور نوايا اليمين المتطرف باحتلال كامل فلسطين، من الذين يعتقدون، كرئيس الموساد السابق، بأن الدولة الثنائية قادمة لا محالة بعد السقوط المحتوم لدولة الابارتيد التي أقامها نتانياهو ووزراؤه.
وكنت وما زلت أعتقد أن زوال العنصرية يعني حلول المساواة والعدل وتقاسم الثروات والموارد والمناصب والشراكة الحقيقية وتداول السلطة وتوزيع الصلاحيات، كما حدث بجنوب إفريقيا.
هذا هو المسار التاريخي الذي لا مهرب منه، والذي يدفع رجل مخابرات خدم «50» سنة في الموساد مثل باردو، إلى التحذير من الدولة الثنائية لأنها ستؤدي، حسب رأيه، إلى زوال الحلم الصهيوني.
ثلث الإسرائيليين يتوقون للهجرة الفورية، فيما القنبلة الديمغرافية والسياسية والتاريخية «تتك» دون توقف، خصوصاً بعد ثبوت عدم وجود صلة لإسرائيل بالقدس على مر العصور.
لذلك يصرخ باردو، الذي يوصف بأنه أكثر رؤساء الموساد مهنية، في نهاية تحذيره قائلاً: «الزمن لا يتوقف والواقع يتغير وكذلك الظروف وبدائل الحل، وكلما مر الزمن تقلصت البدائل حتى نصل إلى نقطة اللاعودة»!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
23/03/2017
2474