+ A
A -
غضبت دول أوروبية مثل ألمانيا عندما استخدم وزير الدفاع الأميركي في عهد إدارة جورج بوش الابن مصطلح «القارة العجوز» في سياق التأكيد على قيادة أميركا واستمرارها في المبادرة مقابل تردد أوروبا. بعد حوالي عقدين يبدو أن القارة العجوز تدخل مع كل أزمة اقتصادية أو تحديات سياسية في مرحلة البحث عن ذاتها، وتحاول إعادة تعريف نفسها. هذا الحديث ينسجم وما تشهده تلك القارة من جدل داخلي بين البلدان حول السياسات الخارجية والأمن، وجدل من نوع آخر يتعلق بحمى التنافس الانتخابي الداخلي وتصاعد التيارات الشعبوية التي تروج لنفسها عبر الحديث عن إنقاذ دولها من نتائج الاوضاع القائمة على هوية القارة وأوضاعها السياسية والاقتصادية ونسيجها الاجتماعي.
في الحديث عن القارة العجوز التي استعادت بعضاً من شبابها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية تبدو مسألة القيم كنقطة التقاء مهمة بين تلك الدول، من أجل ذلك ولأسباب اقتصادية كان الاتحاد الاوروبي محاولة لبناء قوة اقتصادية وسياسية في زمن ثنائية القطبية. بالطبع بسبب القيم وجد الاتحاد نفسه أقرب للقوة العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة الاميركية.
كانت تلك القيم المرتبطة بالحرية والمساواة وحقوق التعليم والعمل إلى غير ذلك تجعل من أوروبا وأميركا بيئة جاذبة للملايين عبر العالم. لكن هذا ليس كل الحكاية، ذلك أن النفوذ القديم والتأثير الذي تركته دول مثل بريطانيا وفرنسا كان عاملاً حاسماً في ربطها بمناطق كانت يوماً ما تحت سيطرتها. بالطبع تشاطر الولايات المتحدة تشخيصها لأهمية دور القيم كنقطة جمع بين تلك الدول والولايات المتحدة. لذلك شهد العالم الغربي حديثاً غير متوقف منذ هجمات سبتمبر 2001 عن القيم وأن تلك القيم مهددة من الآخرين الذين لا يتفقون معها.
عبر قضية القيم المشتركة فتح الاتحاد الاوروبي أبوابه مشرعة لدول أصبحت مستقلة في أوروبا الشرقية. دخول لم يأت بالكثير من المهارات إلى أوروبا محولا تلك المجتمعات إلى مصدر للعمالة الرخيصة تماما كدول آسيوية بالنسبة للدول النفطية. خلال كل هذا النقاش والعمل المنطلق من فكرة القيم المشتركة لا يتم التركيز على سياسات تلك القارة ولا سياسات الولايات المتحدة الخارجية. وبذلك يبقى التحضر وسماً لتلك المجتمعات وغيرها يلهث وراء سراب التحضر.
خسرت أوروبا أحد أهم عوامل النفوذ الاوروبي وهي المملكة المتحدة التي صوت كبار السن فيها لصالح خروجها من الاتحاد الاوروبي، خروج يشكك في نظرية القيم المشتركة التي كثيراً ما يتم الترويج لها ويستبدلها بالمصالح وغلبة الهويات المحلية على الهويات أو العصبيات الأخرى. فالبريطانيون صوتوا لصالح الخروج لاستعادة سلطة اتخاذ القرار بخصوص اقتصادهم والمهاجرين لهم وهي حقوق تبدو مشروعة، لكنها بالتأكيد تعلن بداية مرحلة جديدة في العلاقة مع القارة العجوز.
لا يبدو الأمر متوقفاً عند ما جرى في بريطانيا، فالتصاعد اللافت للتيارات الشعبوية بحد ذاته حلقة في سلسلة بحث المجتمعات الاوروبية عن ذاتها على مستويات محلية، الانتخابات القادمة في فرنسا وهولندا حلقات ضمن هذه السلسلة.
بالطبع هذا التغير غير بعيد عن قرار الناخب الاميركي في أن يكون له رئيس محور سياساته الرئيسي «أميركا اولاً». عندما تتأثر مصالح الناس البسيطة من فرص عمل وخدمات ويستثمر في ذلك سياسي طامح للقوة، فإن النتيجة ستكون معروفة، شعبويون في مواقع القيادة، عندها تصبح القيم المشتركة كذبة كبيرة، ولقمة العيش فرصة العمل هي فقط الحقيقة بل وكل الحقيقة.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
22/03/2017
8456