+ A
A -
لم يكن الغضب وحده هو الذي وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لصب انتقاداته على أوروبا كما لم يفعل من قبل. فالرجل، في لجة المعترك العالمي المحمل بالتطورات الجسام في القارات الخمس جميعها، يخضع لعملية تغيير جذرية، سياسياً ودينياً وحضارياً.
وهو ليس الوحيد الذي تغير، لكنه الوحيد الذي عبر صراحة عما يعتمل في داخل عقله، وهو الوحيد الذي يتحدث بلغة المستقبل، وما تحتويه من حدة ومخاطر لا يعرف مداها إلا الله.
ومن راقب أردوغان يتكلم في الأسابيع الأخيرة، لا يقتنع بأن الرجل يتحدث عن هوى، أو أن لسانه قد زلّ هنا أو هناك. وما نعيه ونعرفه أنه تحدى القارة الأوروبية إلى درجة فاجأت كبار مسؤولي الاتحاد الذين حذروا الرئيس التركي ونبهوه إلى أنه يلعب بالنار وما هو أكثر من النار.
غير أنه لم يكن في الواقع يلعب بالنار، وإنما يمارس شطرنجاً فائق الدقة والحساسية وإلى درجة أنه اتهم ألمانيا بمواصلة نهج هتلر، ووصف ميركل بالنازية، واستخف بهولندا والنمسا اللتين انتقدتا مواقفه السياسية، ولعبه بورقتي اللاجئين والديمقراطية.
وما يجب أن ندركه هو أن رجب طيب أردوغان ليس وحده الذي تغير، فالولايات المتحدة تغيرت عندما اختارت دونالد ترامب لقيادتها، وأوروبا تغيرت عندما فضلت اليمين المتطرف على اليسار والاشتراكية والحلول الوسط.
ونستطيع القول إن آنجيلا ميركل قد تكون الزعيمة الأوروبية الوحيدة التي ما زالت تحترم الديمقراطية التقليدية، على عكس الفرنسيين والبريطانيين والهولنديين مثلاً الذين سقطوا في شباك اليمين تماماً مثل الإسرائيليين عندما شعروا بالراحة في الخندق الليكودي المثقل بالعفونة التاريخية، وبدأوا يتحولون نحو المجتمع الدكتاتوري المتطرف الذي تقوده ماري لوبان الفرنسية التي ترفض ارتداء وشاح على رأسها عندما تتحاور مع مسؤولين من دول إسلامية، ما أدى إلى إلغاء عدد من هذه اللقاءات.
أمر كهذا قد يبدو بسيطاً وتافهاً، لكنه يروي الكثير وينبئ بصدام حضاري ظهرت نذره واضحة في كل مكان، وخاصة في الغرب الذي ينحو باتجاه العنصرية والفاشية والشعبوية بخطى سريعة، لمواجهة ما يعتقدون أنه غزو إسلامي متوحش، بعد أن توقفوا عن التفريق بين التنظيمات الإسلامية، سواء كانت ذات آفاق خيرية أو دعوية أو «جهادية»، فالكل سواء، داعش والقاعدة وطالبان والإخوان والعدالة والتنمية وكل ما له علاقة بالإسلام.
أما أردوغان الذي يحظى بشعبية هائلة في العالمين العربي والإسلامي، فلديه كما يبدو خطة عمل تقوم على فك ارتباطه قريباً جداً بأوروبا السياسية، وبحلف الناتو، وتَزَعُّم الفكر الإخواني ونبذ العلمانية بكل أشكالها وفتح الباب أمام الإسلام الحاكم بأمره.
كل القوى الفاعلة تقبع الآن في المربع الدكتاتوري، أما اليمين السياسي المتحالف مع اليمين الديني الذي بدأ يصعد في الغرب، فقد أدركه أردوغان مبكراً، ودخل حلبة الصراع بصلاحيات أكبر أقرها الأتراك وباركوها!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
22/03/2017
2599