+ A
A -
لا أستطيع أن أتعاطف إطلاقا مع نظام بشار الأسد حتى لو أضاء أصابعه العشرة بالصواريخ. فهذا الرجل في لب قناعتي كان على الدوام كأبيه أفضل حارس لأمن إسرائيل ضَمِنَ هدوء جبهة الجولان هو وحافظ، حوالي نصف قرن، كحماة في عصر الأب وحلب في عصر الابن!
لذلك لم يرفّ لي جفن عندما اعترض صاروخ سوري ــ ربما إيراني ــ صاروخاً إسرائيلياً في سماء مدينة إربد الأردنية. فالنظام اضطر إلى فعل شيء ما للرد على هجوم جوي إسرائيلي ليس فقط على قافلة أسلحة متجهة لحزب الله، ولكن على قائمة طويلة من الأهداف.
ورغم أنني ما عدت منذ سنوات أثق بأن حزب الله «يمكر» لإسرائيل أو يخطط لضربها، فإن نتانياهو لا يزال عالقاً في سنوات ما قبل الربيع العربي عندما أتقن نصر الله ابتكار المعارك والتضحية بآلاف اللبنانيين في حروب هدفها الأساسي تصوير إيران راعيته هو وراعية الإرهاب ضد العرب في الشرق الأوسط والخليج، على أنها تضع فلسطين على رأس جدول أعمالها.هذه فرية تاريخية اخترعها آيات الله وسوقوها في صلوات جمعة طهران المعبأة بعواطف الجماهير المسكينة التي صدقت أن إيران تؤلّه القدس أو تَعْبَأ بالمقاومة الفلسطينية. سنوات تركيب المشهد ولّت الآن، ولم يعد ينطلي على أغلب الناس، الزعم بأن إيران تدافع عن المستضعفين سواء في فلسطين أو الشرق الأوسط والخليج ككل.
ألعوبة المستضعفين هذه وآلية الولي الفقيه الفاضحة نجحتا لعقود وبلعهما الناس وصدقوهما وصارت إيران معبودة الجماهير، لكن كل شيء انكشف في سنوات «الربيع العربي المشؤوم»، والمزعوم، حين سنّت طهران سكاكينها لتقطيع والتهام ما تستطيع من العالم العربي، في حالة ضعفه الراهنة غير المسبوقة.
لم تكن هناك مراعاة للجيرة أو الأخلاق، وتم توظيف المذهبية الشيعية لإذلال السُنة والعرب والتوسع إما بالاحتلال المباشر كما في العراق وسوريا واليمن ولبنان أو بفرض النفوذ أومواصلة التدخل والاستفزاز في دول مجلس التعاون التي تعج بخلايا شيعية نائمة.
ولا تبتعد الغارات الإسرائيلية الجوية على مواقع داخل سوريا أو على قوافل السلاح الموجهة إلى حزب الله في لبنان، عن المشهد الجديد الذي تشكل على ضوء تصرفات النظام السوري وتحركاته العسكرية التي لا تتم إلا بإذن مباشر من طهران.
لقد سبق أن أفصح نتانياهو والصحف الناطقة بلسان العدو بأن الطائرات الإسرائيلية شنت عشرات الغارات على المواقع السورية وقوافل السلاح، وكانت تمر غالباً بصمت ودون شكوى أو رد من جانب دمشق، أو طهران التي تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية. غير أن اتساع رقعة الضرب هذه المرة واستهداف مواقع للنظام في عدة أنحاء من سوريا عدا السلاح المهرب إلى حزب الله، أجبر بشار على الرد ولو بصاروخ كان مصيره التفتت في سماء إربد عندما اصطدم بالصاروخ الإسرائيلي الذي استهدفه، لكن الزعم بإسقاط طائرة إسرائيلية كان كذبة واضحة.
وإذا كنا نعرف أن النظام لا يمتلك أنظمة الصواريخ المضادة، فإننا نوجه المسؤولية نحو الإيرانيين أو حتى الروس في لعبة المفرقعات الجوية هذه، ولا نضع إطلاقاً الرد السوري الرسمي في إطار الرد الوطني وإنما في إطار الاضطرار الذي فرضته الظروف، بعد الصمت على الغارات مائة مرة.
لقد سوّق النظام المواجهة الأخيرة على أنها إنجاز بطولي، لكن الذين يعلمون، مدركون للحقيقة ويضحكون في السر، فيما يواصل الإسرائيليون غباء الاعتقاد بأنهم سيتعرضون لهجوم غير مدبلج، من حزب الله أو إيران في يوم من الأيام.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
19/03/2017
2650