+ A
A -
في غمرة طوفان الفتاوى، عبر الفضائيات، لا نملك إلا العودة إلى العقل والمنطق، مسترجعين سيَر وأخبار شيوخٍ أفاضل، وعلماء أجلّاء، قرأنا لهم وعشنا معهم.
وفي هذا الإطار، أذكر صحبةً من أولئك الأفاضل الذين أسعدتني الظروف أن أزاملهم، فبقوا في ذاكرتي عطراً إنسانياً يضمِّخ وحدتي، وأنا في بلاد الجليد، أفتقد الصحبة، والمشاركة الإنسانية.. ومن حقهم عليّ أن أشير إلى فضلهم، وأن أسمح لنفسي بذكر أسمائهم.
من أولئك الصحبة: الشيخان هلال أبوشناف، الرجل الصعيدي الكريم، الذي يجمع إلى فضل التبحّر في علوم الشريعة، التبحّرَ كذلك في علوم اللغة العربية، فكان فقيهاً في كليهما، وشغل منصب موجّه اللغة العربية، وشارك وزميله الشيخ رشدي المصري تأليف عددٍ من كتب المنهاج الدراسي للغة في مراحل التعليم العام في دولة قطر.. هذان الشيخان لا تفيهما الكلمات حقهما من الثناء، حينما نتحدث عن الخُلُق الإسلامي، أو الوعي الرشيد، أو المعاملة الإنسانية..
كنت أداعب بالكلمات الشيخ هلال حين ألتقيه، فأردد بيت شعرٍ قاله الشاعر المصري الصعيدي «خليل جرجس خليل»:
- زعموا الصعيدَ ينشِّئُ الجُهّالا..خسئوا، لقد صنع الصعيدُ رجالا..وكان يبتسم، ويصحّح لي عجُز البيت ليصير: «حسبُ الصعيد بأن منه جمالاً» لهذه الدرجة من الانتماء الوطني والقومي كان الشيخ هلال، وكم من عيون الشعر والحكمة تلقّنتها من الشيخيْن الفاضليْن!
وهناك الصديق الجميل المتخرج في كلية أصول الدين، وعاشق الصحافة «محمود جمال الدين الحلو»، الذي كنت حين ألتقيه أتذكر قول العقاد:- وحييٍّ لا يحيّيك بغير البسماتِ.. التقينا سوياً في عشقنا صاحبة الجلالة، وشغفنا المشترك للمعرفة، والاطّلاع على آخر إصدارات الكتب التي كانت تتحفنا بها دور النشر في بيروت.. وهناك الشيخ العالم عبدالعال السبروت، وفضيلة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الراجحي، الدمياطي الرائع، الذي كان يحب السمك حبه للمعرفة، وحفاظه عليها، والذي تولّى فيما بعد منصب عميد كلية أصول الدين، في الأزهر الشريف، وعالم اللغة وخبير التربية الأستاذ سيد عبدالعال، الذي تولى رئاسة التوجيه الفني في وزارة التربية والتعليم القطرية، وغيرهم من العلماء الأجلّاء والشيوخ الأفاضل.
وما أشرت لهذه الكوكبة من رجال الأزهر الشريف، إلا لأبيّن فضل ذوي الفضل، والفارق الكبير بين من درسوا الشريعة وعلومها، واللغة العربية وأصولها، دراسةً منهجيةً، على أيدي الشيوخ الثِّقات، وبين من يتصدّون للإفتاء عن جهل، فيصدرون أحكاماً تبلبل الفكر وتسيء إلى العقيدة.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
17/03/2017
4173