+ A
A -
من المعروف في الفكر السياسي أن ثمة علاقة تلازمية بين بناء الأحزاب وحركيتها (ديناميكيتها الداخلية) ومن ثم نجاعة مخرجاتها في الأداء والقدرة على التسيير ومن هذا المنطلق يمكن القول إن حزب نداء تونس لم ينشأ بصورة طبيعية، فهو يتماهى مع صورة الجماعات الضاغطة أكثر مما هو حزب سياسي بالمعنى الدقيق.
فإذا كان الحزب يحمل مدلولات تنظيمية وإيديولوجية ووظيفية وهو ما يجعله مختلفا عن النقابات والجمعيات والجماعات الضاغطة فإن الشروط الأساسية لمفهوم الحزب لا تتوفر في حزب نداء تونس (وربما في غالبية الأحزاب التونسية الناشئة بعد الثورة وهو ما يفسر سرعة تفككها وعجزها عن إدارة الاختلاف وتصريف أزماتها الداخلية). فقد ظهر الحزب ضمن معادلات سياسية معينة بعد صعود «الإسلام السياسي» وحلفائه للحكم بعد انتخابات 2011 وهو ما أثار رغبة لدى قوى مختلفة وأصحاب مصالح ورجال أعمال وقوى إعلامية نافذة إلى الدفع نحو تأسيس قوة حزبية قادرة على إطاحة خصم سياسي ولكن دون التفكير في طبيعة هذا الحزب (غياب رؤية فكرية) ولا طرق عمله وبنيته (غياب قانون أساسي) أو حتى غاياته وأهدافه (فإذا استثنينا الوصول للسلطة لم تكن قيادة الحزب تعي ما الذي ستقدمه للناس).
لقد تشكل حزب نداء تونس من خلال تجمع غير متجانس لشخصيات سياسية ورجال أعمال وأصحاب مصالح متضاربة حول شخص الباجي قائد السبسي وهو ما جعله يفتقد الاستمرارية التنظيمية اللازمة لكل حزب سياسي حقيقي. وقد كشفت التسريبات الأخيرة لاجتماع القيادات الكبرى لحزب نداء تونس طبيعة الأزمة الداخلية التي يعانيها الحزب في علاقته بالحكومة خاصة، حيث ظهر جليّا أن الشخصية الأهم في الحزب (حافظ قائد السبسي) لديه اعتراضات واضحة على سياسات رئيس الحكومة وعلى توجهات كثير من وزراء الحكومة الحالية على الرغم من أن نداء تونس نفسه هو الذي أصر سنة 2016 على إقالة الحبيب الصيد والمجيء بيوسف الشاهد. وهذا الخلاف بين الحزب الحاكم وبين حكومة هو من جاء بها يفضي إلى نوع من التناقض أو حتى فوضى الحكم ويكشف عن مدى غياب مركزية القرار لدى السلطة الحالية إذا استثنينا بالطبع الرئيس الباجي قائد السبسي الذي يستفيد من كل هذه الخلافات ليظل المتحكم في كل خيوط المشهد. غير أنه وبصورة عامة لا يمكن التغاضي عما يمكن أن تسببه حالة الضعف والتفكك هذه من أضرار على بنية المجتمع السياسي وعلى أداء الدولة، خاصة إذا كان الحزب المعني بالدراسة هو من يتولى السلطة في البلاد اليوم ويدير الشأن العام.
إن وضعية الصراع الحالي في نداء تونس قد تكون الفرصة المناسبة لبعض القوى السياسية لاستعادة مواقعها وبناء قاعدة ناخبة في ظل تبدل المزاج الشعبي العام لدى الذين صوتوا لحزب النداء وراهنوا على شعاراته الكثيرة غير أن ما يثير الانتباه أن القوى الحزبية التونسية الأخرى تعاني من حالة شلل فعلي في النشاط وغياب القدرات التنظيمية والتواصلية مع الجماهير الشعبية وهو ما ستكون له انعكاساته على الانتخابات المقبلة والتي قد تشهد حالة جزئية من العزوف الانتخابي.
إن أزمة نداء تونس بأبعادها المختلفة هي في جوهرها تعبير عن أزمة النظام السياسي التونسي المتوارثة منذ أيام حكم الحزب الواحد حيث مازالت الفعاليات السياسية في حالة انعدام التوازن وهو الأمر الذي مكن لحزب مصطنع مثل نداء تونس من الصعود إلى الحكم في بضعة أشهر وبشكل غير طبيعي وربما نجد أنفسنا مستقبلا أمام قوة أخرى يتم اصطناعها على عجل من أجل الوصول إلى الحكم في صورة ما إذا عجزت القوى الحزبية ذات الرؤى والتاريخ من تدارك وضعها وتقديم ما يقنع الناخب التونسي في الأيام المقبلة.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
14/03/2017
8650