+ A
A -
إن القراءة تصنع الإنسان كما قال «لويس لامور» مؤلف مغامرات «الغرب الموحش»: إذا اكتشف المرء المتعة التي يجدها في القراءة والبحث عن المعرفة، فلن يعرف الملل طريقه إلى حياته يوما.. وعندئذ سوف يزداد ولعه بالقراءة مع كل كتاب جديد.. إن مكتبتي التي تحوي اليوم ما يقرب من عشرة الآف كتاب هي مصباح علاء الدين الأسطوري، فأنا أستطيع من خلالها أن أعيش في أي زمن من التاريخ.. أستطيع أن أتحدث مع كبار المفكرين ومع الفلاسفة.. مع الخارجين على القانون.. مع الملوك والملكات.. مع الفاتحين والقادة.. إنهم جميعا في بطون الكتب، في انتظار قدومي.. ولا بأس من أن يكون الحوار من جانب واحد.
وكانت مكتبة الأديب المصري «عباس محمود العقاد» التي تحتل طابقا كاملا من منزله المكون من طابقين تحتوي على ألف كتاب، في جميع المجالات، وكان لا يتوقف عن القراءة تحت أي ظرف، وحين تنقطع الكهرباء وهذا يحدث كثيرا كان يعلق قائلا: «بلد الكهرباء تنقطع عنها الكهرباء.. لكن لا يمكن أن ينقطع شعاع الفكر»، ووصف «الجاحظ» الكتاب بقوله: «لا أعلم جارا أبر منه، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا أكثر كفاية، ولا أقل جناية، ولا أقل إملالا وتبرما، ولا أجمل أخلاقا، ولا أقل خلافا وإجراما، ولا أقل غيبة.. من كتاب.. ولا أعلم نتاجا في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده، يجمع بين التدابير العجيبة، والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة، ومحمود الأذهان اللطيفة، ومن الحكم الرفيعة، والمذاهب القديمة، والتجارب الحكيمة، ومن الأخبار عن القرون الماضية والبلاد البعيدة، والأمثال السائرة والأمم البائدة.. كلها تجدها في الكتب» وعاشت «كوليت» الكاتب الفرنسية واحدا وثمانين عاما وهي تشعر أنها شابة، وكانت تنسب هذه الحيوية للكتب التي لم تكن تمل من قراءتها، وعندما خف نظرها استعانت بأصدقائها وتلاميذها ليقرؤوا لها، تماما كما فعل الأديب العربي «محفوظ» والأديب الأرجنتيني «بورخيس» حين فقدا نعمة البصر، وعرف عن الصاحب بن عباد العالم الجليل عشقه الشديد للكتب، فكان لا يسافر الا مع كتبه، ورفض الوزارة حين عرضت عليه لأنه استصعب السفر مع ثروته، وهي كتبه التي كما قال تحتاج إلى أربعمائة بعير لحملها، وكانت له مكتبة لا مثيل لها في زمنه.. كل الكتب الجيدة كما قال صاحب العجوز والبحر «همنجواي»: «تكون أكثر صدقا مما لو حدثت فعلا، وحين تنتهي من قراءتها سوف تشعر بأن كل ما جاء فيها أو بعضه حدث لك، وسيصبح بعد ذلك ملكا لك كله.. الجيد والرديء، البهجة والأسى، راحة الضمير أو وخز الضمير، الناس والطقس والأماكن.. كلها لك».
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
12/03/2017
2811