+ A
A -
أنت لا تعرف معنى الجوع، ذلك باختصار لأن مصارينك لم تصرخ تلك الصرخة المدوية، وبطنك من فرط خوائها، تكاد تلتصق بظهرك.
ربما، الصورة، تكون قد جسدت- كما يتراءى لك- شكل الذين نهشهم الجوع نهشا، لكن الكاميرا مهما بلغت من الدقة، تظل عاجزة عن التصوير.
أنت تشاهد الصورة، لكن لم تشاهد إنسانا، كان من لحم ودم، ولم يتبق من لحمه لحم، وإن كان في شرايينه وأوردته ثمة دم.
شاهدتهم، بعيني هاتين: رجالا كان يربطون الصخور، على بطونهم التي تكاد تلتصق بظهورهم. من ثقافة الجوع، أن تتمدد على بطنك، أو تشدها بصخرة، ليملأك إحساس كاذب بالامتلاء!
شاهدتهم: نساء، اثداؤهن تعرقت، وتمطت إلى الركبتين. الشفاه يبيسة. الأعين غائرة، والنظرات خالية من أي معنى!
شاهدتهم: أطفالا في سن اللبن، استطالت رؤوسهم.. وشابوا.. وأصبحوا مجرد عظام، وأعيناً ناطة، تقفز في إلى الأمام، بلا ضوء ولا بريق.
كان ذلك في العام 1983 على الحدود السودانية الإثيوبية، في زمان المجاعة التي ضربت إثيوبيا ضربا.
مشاهد قوافل الجياع، لاتزال تصرخ في عيني.. وتصرخ في ضميري.. وتصرخ في مصاريني أن استفرغي أي لقمة.. أي لقمة.
كيف لأمرئ، ان تظل مصارينه متخمة بالطعام، وهو يشاهد جائعا، تيبس من لحم الدنيا، حتى العظم.
أكتب الآن، ويكاد التاريخ أن يعيد نفسه بذات الصورة المأساوية.. الكارثية.
التحذير أممي: أيها العالم.. أنت في مواجهة أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.
عشرون مليونا من البشر في ثلاث دول معرضون للمجاعة!
الدول هي اليمن والصومال ودولة جنوب السودان.
الأمم استصرخت الأغنياء: نحن في حاجة إلى 4.4 مليار دولار قبل يوليو المقبل، «لتجنب وقوع كارثة».
التحذير جدي جدا.
وتعقيدات الجوع في هذه الدول الثلاث ستنعكس بالضرورة على دول الجوار.. بل ستنعكس على العالم كله.
التحذير، لا ينبغي أن يأخذه على محمل الجد الأغنياء فقط. الأفراد ينبغي أن يتحركوا بجدية، تحت شعار: لا خير في طعام نحشو به مصاريننا وفي هذا العالم عشرون مليون جائع!
انظر إلى طعامك. خذ اقل قليلا من كفايتك. تذكر جيدا أن ما قد ترميه من بقايا طعام، ينبغي أن يذهب ثمنه إلى جائع.
استعد في خيالك الصور التي شاهتها عن الجياع، وتخيل نفسك أحدهم.. ثم انظر إلى طعامك.. وتذكر «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه».
كن إنسانا حقيقيا في زمن الجوع.

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
12/03/2017
2831