+ A
A -
تعودت الثقافات على مدى تاريخها وجغرافياتها كلها أن تعطي اللباس أهمية أولية، لا يعدلها إلا أهمية الغذاء، وأهمية تطبيب الجسد، وكل الثلاثة هي لخدمة الجسد، وكلما تحسن مستوى أي واحدة من هذه الفعاليات تحسنت معها حالة الجسد، وإن ساءت ساءت معها حالة الجسد، والنظرية أيضا تمر بحال مماثلة في علاقتها مع النص، فالنص هو جسد ـ كما قال الحاتمي وتابعه فيها رولان بارت حيث أشار إلى أصلها العربي، ويبدو أنه عرف بها عن طريق عبد الكبير الخطيبي ـ. وبما إن النص جسد فإن القراءة هي غذاؤه ودواؤه، وكل قراءة لنص هي حالة تتدفق لمياه الحياة فيها، ويظل في حالة موت إلى أن تقع عليه عين تقرأ أو أذن تسمع. بينما ستكون النظرية هي اللباس الذي يكسو الجسد النصوصي، وكأنها جسد على جسد، وكما أن الجسد البشري يبدو أجمل وأرتب حين تكسوه الملابس فإن النص يظل عاريا ومحتاجا للبوس النظرية التي ستغير من هيكليته، وسيكون شأنها كشأن اللباس فهناك ألبسة تشوه الجسد، وأخرى تغطيه وتستره، وثالثة تجمله، وكل وظائف اللباس مع الجسد تتماثل مع وظائف النظرية مع النص. ومنذ مطلع التاريخ الثقافي والنظرية تتقدم لمصلحة النص، منذ أرسطو وكتابه في البويطيقا وأترجمها بالشاعرية، وشرحت السبب في كتابي الخطيئة والتكفير، والنظرية تتغذى أيضا على النص بوصفه مادة للاستشهاد النظري، أي أنها تستخدم النص أكثر مما تخدمه، وتصنعت النظريات الفلسفية والاجتماعية والسايكولوجية على مواد نصوصية من الأساطير والحكايات والحبكات السردية والصيغ المجازية، تلك التي شكلت رصيدا هائلا من الشواهد والمعطيات الثرية مما جعل البحث في النظرية النقدية يظل في حالة تطور مستمر لأن حالات قراءة النص تتسع مع تمدد الزمن وتعاقب الأجيال وتجدد الثقافات بمعطيات جديدة تنعكس على النص ـ مهما كان قديما ـ وتستنبط منه ما لم يخطر على بال قائله ولا بال معاصري قائله، وهذا ما يجعل النظرية هي اللبوس الأسطوري الذي يكتسي النص معها كونا معرفيا يتجدد مع كل نظرية جديدة تعيد صياغة النص بأكثر مما كان من قبل.

بقلم : عبدالله الغذامي
copy short url   نسخ
11/03/2017
5357