+ A
A -
في عام 1970، نفّذت الرسّامة النيوزيلندية «كيم غروف كاساني» فكرةً طريفةً خفيفة الدم، لكنها عميقة الإحساس، دافئة المشاعر.. الفكرة هي في غاية البساطة: أن ترسم بخطوطٍ بسيطةٍ صورةً لطفليْن سعيديْن، وتضع تحتها تعليقاً يبدأ بعبارة «الحب هو»، وكل رسمة تحمل معنىً للحب والسعادة في مفهوم كيم، فمثلاً، هناك «الحب هو طفولةٌ سعيدةٌ»،أو «الحب هو عدم سؤالها عن ثمن فستانها» أو «الحب هو إشارةٌ بأن الربيع على الأبواب» أو «الحب هو تشجيعه على اهتماماته».. إلخ..
لقيت هذه الفكرة الصغيرة المفعمة بالأمل، المشبّعة بروح الفكاهة، إقبالاً غير مسبوقٍ، حتى إن صحيفة «نيو إنجلوس تايمز» الأميركية، أفردت لها مساحةً، راحت تستقطب ملايين القراء، الذين يريدون معرفة ماهية الحب كل يومٍ، وتم نسخ هذه الإشارات الصغيرة على ملايات الوسائد، وأغطية اللحافات...
كانت كيم مفتونةً بشابٍّ إيطاليٍّ وسيمٍ هو «روبيرتو كاسالي» الذي اقترنت به العام 1978.
تذكرت حكاية هذه الرسامة النيوزيلندية، التي أرادت أن تغترف معاني الحب من الأشياء اليومية البسيطة، التي نعيشها كل أيام عمرنا، وقلما نمسك بها، وأنا أتابع حلقات مسلسلٍ تركيٍّ، مأخوذٍ عن عملٍ أدبيٍّ هو رواية «الأوراق المتساقطة»، واستطعت أن أقتنص لمحةً من الحب في حياة أسرةٍ من الطبقة البورجوازية الصغيرة، تعرضت لمآسٍ ومصائب متلاحقة، حينما اضطرّت للنزوح من بلدتها الريفية، إلى صخب المدينة، لتعيش تناقض الحياة، وسط الزحام، ومعاناة الكد، وترتيب أحوال المعيشة.. المسلسل (الرواية) ينقل المشاهد إلى كمٍّ كبيرٍ من المآسي، والبلاوي التي يعيشها أفراد الأسرة جميعهم، إلا أنه- رغم ذلك وفي وسط هذه التناقضات الكبيرة- تظل هناك فرجةٌ للحب، يتسلل منها كما تتسلل أشعة الصباح الباكر، لتمحو غسق الفجر، تلك اللقطة، تتمثل في لمّة الأسرة حول مائدة الطعام، سواءٌ كانت الوجبة إفطاراً أم عشاءً..
وفي تصوري أن كاتب السيناريو، قصد ذلك، وقصد أن يبلغنا بأننا نستطيع الإبقاء على شعلة الحب متوقّدةً، دافئةً، رغم كل الإحباطات والهموم.. وأنا شخصياً، أضيف إلى عبارات «كيم غروف كاسالي» عبارةً أخرى تقول: «الحب هو أن نلتقي حول مائدةٍ واحدةٍ»..
ولا شك أن في حياتنا- رغم سرعة إيقاعها- وتطور مفاهيم العصر، كثيراً من إشارات الحب التي يجب أن نحرص عليها.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
10/03/2017
4625