+ A
A -
في الشوارع التي تقطع أرجاء المناطق السكنية، وعند تقاطعها، وفي معابر مرور المشاة، ولدى انصراف الصغار من مدارسهم، أو توجّههم إليها، تجد رجلاً أو امرأةً، في منتصف العمر أو مرحلة الكهولة، يمسك أو تمسك لوحةً لتنظيم مرور السيارات، حفاظاً على أرواح الصغار، ولا يستطيع قائد السيارة، إلا أن يقف مبتسماً، ولا يستأنف قيادة سيارته، إلا بعد إشارة هذا الإنسان الذي يقوم بعمله التطوّعي خدمةً للصغار من أبناء حيِّه.

هذا منظرٌ يوميٌّ أشاهده في فترتي الصباح، وما بعد الظهر، هنا في كندا، وهما فترتا غدوّ ورواح التلاميذ الصغار للمدارس في مراحل التعليم العام.. أتطلّع إلى وجوه الصغار، وإلى الخرزات الملوّنة، التي تطلّ من هذه الوجوه، الملفوحة بالريح القطبية الباردة، فأراها وجوهاً سعيدةً مبتسمةً، تلوّنها «شقاوةٌ» خبيئةٌ، وسعادةٌ بالغةٌ، أمام الحافلة التي لا يمكن أن تتخطاها عربةٌ، تستقبلهم فرّاشةٌ، وتؤمّن جلوسهم، قبل أن تنطلق بهم الحافلة آمنةً، حيث يتولّى قيادتها رجلٌ أو سيدةٌ.. سيّان، المهم أن يكون السائق خبيراً موثوقاً به..

هذا هنا في كندا، حيث تتلاقح حضارات، وتمتزج إثنياتٌ، لتشكيل مجتمعٍ متجانسٍ، تحكمه قواعد وتشريعاتٌ، تحفظ للدولة هيبتها، وللمواطنين حقوقهم، وتنظم واجباتهم..

وفي النفس والخاطر تتصارع الهموم، ففي بلادي مثل هؤلاء الصغار، الذين ولدوا على أرضها، ليؤكدوا تواصل الأجيال، واستمرار حركة الحياة، تماماً كما هي أشجار الزيتون العتيقة التي تحكي تواتر السنين في بلادنا المقدسة.. هؤلاء الصغار لم يروا منذ تفتح أعينهم على الحياة سوى مظاهر الموت، والقتل والترويع، والبكاء، والحداد.. إلخ.. وآخر مظاهر هذه الدراما السوداء، قيام سلطات العدو الصهيونيّ بقتل الصغار بدمٍ باردٍ، على مشهد العالم وسمعه، وصمته، بدعوى إحرازهم أسلحةً بيضاء بنية طعن أخلاط المستوطنين بها..

أرى في وجوه أبناء بلادي الملفوحة بشمسها المشرقة، خرزاتٍ جميلةً، شقيةً، ومعبرةً، تحب الحياة وتغني لها رغم كل مظاهر الموت، فذلك قدرهم.. إنهم أطفال بلادي: أطفالٌ بلا طفولة..

ما زلت أغني:

هذي المرابعُ، أم هذي لياليها..

عزّت بمن جاءَ، أم عزّت بمن فيها؟

وتلكَ غانيةٌ، غنّت لغانيةٍ.......

يا طيبَ ما صدحتْ منها، أغانيها.

بقلم : حسن شكري فلفل

copy short url   نسخ
01/04/2016
969