+ A
A -
لم تكن زيارة وزير خارجية السعودية عادل الجبير المفاجئة إلى بغداد لتتم، إلا بضوء أخضر إيراني، ذلك أنه لا يخفى على أحد مدى تغلغل طهران في مفاصل الدولة العراقية إلى حد تفضيل الكثيرين استخدام عبارة «احتلال» لتوصيف الوضع.
كما لم يكن قول الوزير السعودي بثقة لافتة إن الأزمة اليمنية ستحل هذا العام، مجرد اجتهاد أو تحليل، بل جزء من تسوية كبرى ممكنة، تطال العراق وسوريا واليمن.
والدليل على ذلك أن زيارة الجبير قوبلت بحفاوة نادرة ليس فقط لأنها الأولى التي يقوم بها وزير سعودي لبغداد منذ غزو العراق عام «2003»، ولكن لأن مزاجاً إقليمياً ودولياً رافضاً للتوسع الإيراني أخذ يتشكل بسرعة.
ويبدو من مسلك إيران السياسي وتلميحات منابرها ومواقعها الإعلامية، أنها بدأت تتقبل فكرة انحسار نفوذها، ومحو بَصْمتها عن خريطة الشرق الأوسط .. بل إنها باتت كما يظهر، مستعدة لأن تقلم أظافرها بنفسها حفاظاً على ماء الوجه من جهة، وإقراراً بمدى خطورة النظرة الدولية لمشروعها الميليشيوي الذي يهدف إلى التمدد من خلال عسكرة الصراع.
وإذا كانت روسيا التي تنسق مع طهران فيما يتعلق بسوريا بشكل خاص، تعتبر مثل هذا التقارب اللصيق مؤقتاً تفرضه المصالح، كما ألمح الكرملين عدة مرات، فإن واشنطن كانت أكثر وضوحاً بل أكثر شراسة عندما هددت على لسان الرئيس دونالد ترامب وكبار جنرالاته، دون مواربة، بإجهاض ما أحرزته إيران من مكاسب غير شرعية فُرضت بالإكراه على مساحات شاسعة من الأراضي العربية.
زيارة الجبير التي تمت في هذه الأجواء، هي بمثابة اختراق سياسي مهم سيضع المنطقة على سكة المباشرة في تفكيك الألغام، وتهدئة التوتر بين الرياض وطهران، خاصة بعد بالونات اختبار إيرانية غازلت السعودية، وسط محادثات بين الجانبين بشأن تسوية مشاكل الحج، وتعهد طهران بمحاسبة المسؤولين عن إحراق السفارة السعودية في طهران في يناير «2016»، وهو الأمر الذي دفع الرياض إلى قطع علاقاتها مع الإيرانيين، مما أجج الصراع.
وإذْ اعتبر محللون قول وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لنظيره السعودي إن بغداد ترفض سياسة المحاور، بمثابة تطمين للرياض بألا تتحالف الدولة العراقية مع الإيرانيين ضد السعوديين، فإن قدوم الجبير إلى بغداد وإبداء استعداد بلاده لاستبدال السفير ثامر السبهان الذي اتهم حكومة العبادي بالطائفية، يكشفان عن مرونة سعودية بالمقابل، وعن اتخاذ الرياض قراراً بعدم السماح لطهران بأن تستفرد ببغداد بعد اليوم.
ومن المهم الملاحظة أن هذه التطورات تأتي في غمرة مبادرة أميركية حول العراق تجري بلورتها وتنص على حل الميليشيات (الحشد الشعبي) ودمج أفرادها بوظائف عسكرية وأمنية ومدنية في مرحلة ما بعد القضاء على داعش، وترميم ثقة الشارع بالسلطة القضائية وعودة جميع السكان المهجرين إلى منازلهم دون شروط.
وكما تقول تقارير صحفية أميركية فإن المبادرة المذكورة تتحدث عن مشاريع لإعادة إعمار العراق، فيما يتردد أنه سيكون لبلدان عربية منها السعودية دور بارز فيها.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
28/02/2017
1760