+ A
A -
تظل تونس من أشد الدول تأثرا بما يجري في المشهد الليبي بالنظر إلى الترابط الوثيق بين البلدين على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. وقد لعبت دورا مركزيا بعد نجاح ثورتها مباشرة في دعم الثورة الليبية وكان لها حضور واضح في دعم الثوار واستقبال اللاجئين وقد أصبحت العلاقات أكثر متانة أثناء حكم الترويكا في تونس وحكم المؤتمر الوطني في ليبيا بالنظر إلى أن كلا الثورتين (التونسية والليبية) كانتا تستمدان القوة والاستمرارية من الطرف الآخر.
والمعروف أن العلاقات بين البلدين ظلت مزدهرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية بالنظر إلى العدد الهام من التونسيين الذي يستفيد من التعامل التجاري والاقتصادي مع نظرائهم والليبيين بالإضافة إلى العدد الكبير من مواطني ليبيا ممن يجعلون تونس وجهتهم المحبذة للعلاج أو السياحة وهو ما يكشف أهمية العلاقات بين الطرفين اللذين تجمعهما حدود مشتركة تفوق الخمسمائة كيلومتر.
ومن هذا المنطلق لم يكن مستغربا أن تطلق تونس مؤخرا مبادرتها المتعلقة بتسريع خطوات المصالحة بين الأطراف الليبية المتنازعة وهو أمر اقتضى إيجاد حد أدنى للتنسيق بين الدول العربية الثلاث ذات العلاقة المباشرة بما يجري في ليبيا ونعني بها تونس والجزائر ومصر. حيث وقّع وزراء خارجية الدول الثلاث ما بات يُعرف بإعلان تونس الوزاري لدعم التسوية السياسية الشاملة في ليبيا. وهي وثيقة للعمل المشترك تضمنت التأكيد على جملة من المبادئ الأساسية التي يمكن أن ترتكز إليها أي مصالحة ليبية ممكنة في المستقبل. حيث تؤكد الوثيقة أنها تسعى إلى «تحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا، دون إقصاء، في إطار الحوار الليبي-الليبي، بمساعدة من الدول الثلاث وبرعاية من الأمم المتحدة». وهي في سبيل تحقيق هذه الغاية تؤكد على رفضها «أي حل عسكري للأزمة الليبية وأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لليبيا، باعتبار أن التسوية لن تكون إلا بين الليبيين أنفسهم والتأكيد على أن يضم الحوار كافة الأطراف الليبية، مهما كانت توجهاتهم أو انتماءاتهم السياسية». وبالرغم من أن الدول الثلاث تختلف في تقديرها للمشهد الليبي من حيث ميل مصر إلى دعم حكومة الشرق وميليشيات خليفة حفتر وتركز جهدها على إقصاء التيار الإسلامي عموما من أي عملية سياسية توافقية مقبلة نجد أن تونس والجزائر متوافقتان في جملة الخطوط العريضة للحل السياسي الليبي بداية من رفض التدخل العسكري الأجنبي وصولا إلى ضرورة مشاركة كل الفرقاء السياسيين دون إقصاء أي طرف أو الوقوع في لعبة التحالفات التي لن تزيد الوضع في ليبيا سوى توتر واشتعال.
وفي هذا السياق يمكن أن نسجل وجود رغبة تونسية واضحة في إيجاد صيغة توافقية ليبية على الطريقة التونسية حيث تقبل كل الأطراف التعايش ولو بالإكراه حيث أثبتت الوقائع أن لا أحد من القوى النافذة على الأرض في ليبيا قادر على نفي القوى الأخرى أو عزلها ولا سبيل أمام كل الجهات المتنازعة سوى إيجاد صيغة تحفظ الوحدة الوطنية وتمنع الأوضاع من مزيد التدهور.
ورغم أن بعض القوى السياسية الداخلية في تونس لا تتوقف عن منطق المناكفة ومحاولة التحيّز لأطراف دون غيرها في المشهد الليبي إلا أنه من الأكيد أن ما يقوم به رئيس الجمهورية بصورة رسمية وما يبذله زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بعمل دبلوماسي شعبي يعبر بالفعل عن شعور بضرورة تجنيب ليبيا المزيد من الفوضى وهو ما يحقق في النهاية مصلحة تونس وكل دول الجوار فالعلاقات التونسية الليبية ينبغي أن تخرج عن دائرة الإرباك السياسي ومنطق التجاذبات والحسابات الداخلية التونسية أو المواقف المزاجية الفردية لأنه وبغضّ النظر عن طبيعة الأنظمة القائمة في البلدين فهناك جملة من الثوابت السياسية التي ينبغي الحفاظ عليها بناءً على متانة الروابط الاجتماعية والاقتصادية وانطلاقا من مبدأ حسن الجوار دون التورط في منطق الأحلاف أو محاولات الانحياز إلى أطراف دون أخرى ويظل الثابت الأهم هو مصلحة الشعبين التونسي والليبي.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
28/02/2017
4930