+ A
A -
أعلنت بكين مؤخراً عن تعيين الدبلوماسي (شي شياو يان) كأول مبعوث خاص إلى سوريا، وذلك في إطار سعيها لتعزيز وجودها الديبلوماسي المدروس في منطقة الشرق الأوسط رغم بقائها لفترة طويلة بمنأى عن المشاركة المباشرة بالملف السوري، بالرغم من استضافتها وفوداً من النظام والمعارضة على حد سواء في فترة سابقة، وبدعوات رسمية منها، واستخدامها لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أربع مرات بشأن مشاريع قرارات تتعلق بالأزمة السورية الطاحنة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

التحوّل الصيني بتعيين مبعوث خاص بشأن الأزمة السورية، جاء بعد أن تبين لبكين أن سياستها تحتاج إلى مزيد من التكيّف مع الوضع الجيوسياسي المُستجد في البيئة الإقليمية الشرق أوسطية، حيث درجت الصين الشعبية على النأي بنفسها عن التورط في أي عمل عسكري أو احتكاك سياسي كبير بأزمات العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني أنها غير معنية بالمنطقة، بل إنها تسعى إلى بدائل جديدة للمشاركة بأقل تكلفة مُمكنة.

إن مواقف الصين الشعبية بشأن سياساتها المتعلقة بمسارات الأزمة السورية تُثير استغراب معظم دول العالم، فهي من جهة مُصطفة إلى جانب موسكو في موقفها المعروف، ومن جهة ثانية تحاول النأي بنفسها عن الانغماس بتفاعلات الأزمة وتفضّل تحييد نفسها قدر الإمكان، حرصاً على علاقاتها العربية مع مختلف الدول، والحفاظ على صداقة كل الشركاء في المنطقة، بما في ذلك مع الدول التي تستورد منها احتياجاتها النفطية، حيث تعتمد بكين على المنطقة العربية وإيران في تزويدها بمصادر الطاقة، وتُعتَبَر ثاني أكبر مستهلك لها في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.

وحين تم اعدام رهينة صيني (فان جينغ هوي) على يد تنظيم الدولة في 19 سبتمبر في سوريا، أدانت بكين هذا الفعل، لكن استمرت تنأى بنفسها من التدخل العسكري ضد تنظيم الدولة في الوقت الذي تشارك فيه عشرات البلدان العربية والغربية والآسيوية، في مهمة قتال التنظيم المُسلح، الذي يصنف وفق الغرب الأوروبي والولايات المتحدة كخطر يهدد النظام العالمي.

إن الرؤية الصينية بشأن دورها في الأزمات الدولية المشتعلة وبؤر التوتر في العالم، تنبع من فلسفة مدروسة، وضعها اصلاحيو الحزب والدولة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث التحفظ عموماً، حتى في أي أمر يلقى إجماعاً دولياً، حماية لنفسها من التورط في دوامة الفوضى التي باتت تسحبها وتَجُرّها الأزمات الدولية المُشتعلة ومنها الأزمة السورية، وإذا ما اضطرت بكين إلى توضيح مواقفها حول بعض قضايا المنطقة، فعادة ما تمسك العصا من المنتصف.

إن الصين الشعبية تعتبر أن مواقفها المتحفظة والمدروسة، ليست ضعفاً أو تفريطاً بوزنها المفترض على الساحة الدولية، بل تجنيباً لها من الانزلاق في متاهات الأزمات الدولية، والالتفات إلى تنمية اقتصادها وعلاقاتها التعاونية مع مختلف بلدان العالم. فمصالح بكين في المنطقة، وحاجتها للحفاظ على علاقاتها مع جميع الأطراف، تتضح من خلال اعتمادها على المنطقة كمصدر للطاقة التي تستوردها، وعلى تضاعف حجم التبادل التجاري بينها ودول الشرق الأوسط، بأكثر من عشر مرات خلال العقد الأخير، والذي يتوقع أن يصل إلى ما قيمته 500 مليار دولار بحلول عام 2020. عدا عن توقيع الصين أوائل العام الجاري 2016 اتفاقيات تقديم قروض واستثمارات لدول الجامعة العربية، تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 55 مليار دولار، وتوقيعها اتفاقيات مُتعددة مع مصر، منها مشاريع استثمارية في مجال الكهرباء والبنى التحتية، بقيمة 15 مليار دولار.



بقلم : علي بدوان

copy short url   نسخ
13/04/2016
835